اعلانك معنا تحقيق اهدافك التجارية وزيادة مبيعاتك
ابحث في الموقع
تاربة اليوم - الموقع الإخباري اليمني

“عقول على الهامش”

“عقول على الهامش”

كتب / عبدالرحمن عارف قروان
الجمعة 29 نوفمبر 2024

كلنا نعلم أن المستوى الدراسي الذي تلقاه جيل القرن العشرين أو الأجيال التي تطلق على نفسها لقب الأجيال الذهبية كان عالياً من حيث جودة المناهج العلمية والاهتمام الكبير الذي أولته الدول للتعليم في ذلك الوقت. تلك الأجيال كانت محظوظة بفرص لا تعد ولا تحصى فالدول قدمت دعماً كبيراّ ومستمراً لطلبة العلم بدءاً من التعليم المجاني مروراً بالبعثات الدراسية وصولاً إلى ضمان الوظائف فور التخرج. كانت تلك الفترة زمناً مثالياً لأولئك الذين سعوا لبناء مستقبلهم إذ حظوا برعاية خاصة وفرص تفتح أمامهم دون عناء كبير.

إلى جانب ذلك حصل جيل العكاز على امتيازات اجتماعية واقتصادية مثل الاستقرار المعيشي والخدمات العامة الجيدة والمناصب التي كانت تتاح بناء على الكفاءة أحياناً أو على الأقل بناء على مستوى التعليم الذي تلقوه. إلا أن هذه الامتيازات لم تكن متاحة للأجيال التي أتت بعدها وخاصة جيل القرن الواحد والعشرين. هذا الجيل لم يرث سوى أعباء الزمان ومتاعب الحياة حيث فرضت عليه ظروف معيشية قاسية وزادت عليه التحديات الاقتصادية والاجتماعية.

لقد واجه أبناء هذا الجيل واقعًا مغايراً تماماً حيث اضطر الكثير منهم لتحمل المسؤولية مبكراً والعمل على بناء مستقبلهم في ظل أزمات لا حصر لها. ومع ذلك لم يكن هذا الجيل أمياً كما قد يظن البعض. بل على العكس فإن هذا الجيل قدم عقولاً مبدعة وطاقات شبابية مميزة أثبتت جدارتها في مجالات عدة رغم قلة الدعم وانعدام الفرص. فكم من مخترع ومبدع وموهوب أفرزه هذا الجيل ولكن حرم من الوصول إلى المكانة التي يستحقها بسبب احتكار المناصب من قبل من يعتبرون أنفسهم رموز الماضي الذين يرفضون التغيير وكأنهم يتشبثون بالكراسي وكأنها عروش لا تزول.

هؤلاء العجائز إن صح التعبير يتنقلون بين المناصب وكأنهم نفايات تعاد تدويرها فلا ينحون عن مواقعهم إلا ليعادوا إليها في وقت لاحق أو ليشغلوا مناصب أكثر أهمية. هذا الوضع يجعلنا نتساءل هل المعيار الحقيقي للنجاح هو الخبرة فقط أم أن هناك معايير أخرى يغض الطرف عنها حين يتعلق الأمر بالشباب؟

ومع ذلك فإن القضية الكبرى التي تواجهنا ليست مجرد تهميش جيل على حساب جيل آخر بل هي تلك النظرة الدونية التي تلقيها الأجيال السابقة على جيل القرن الواحد والعشرين. نظرة تتسم بالاحتقار والازدراء وكأن هذا الجيل مجرد مجموعة من الفاشلين الذين لا يمتلكون قيماً أو أخلاقاً. يحمّلون كل الأخطاء التي وقعت في الماضي والحاضر وكأنهم هم من صنعوا هذا الخراب.

أيها العجائز المتعالون كفاكم غروراً. لم تكونوا أنتم أول من كتب بالحبر على الورق ولن تكونوا آخر من يقرأ الكتاب. لقد أتيحت لكم كل السبل للنجاح ومع ذلك فإن هذا الجيل رغم كل الصعاب التي واجهها أثبت أنه الأكثر مرونة والأكثر إبداع والأقدر على التكيف مع المستحيل. فلماذا إذن تنسبون إلينا الفشل؟
نحن جيل لا يعرف الاستسلام جيل يؤمن بأنه يستطيع أن يغير الواقع جيل يرفض أن ينظر إليه وكأنه جيل من الهمج والبرابره. فاشل لايستطيع حتى صياغة الكلام.

ختاماً إن المسألة ليست مقارنة بين الأجيال بل هي دعوة للتعاون والتكامل. فالأجيال تبني بعضها بعضاً وما صنعتموه بالأمس هو حجر الأساس لما نبنيه اليوم. فاحترموا من سيحمل الراية من بعدكم لأن عجلة الزمن لا تعود إلى الوراء.

إغلاق