وغنّى الرصاصُ أنشودةَ الكفاح
مقال لـ /أشرف قطمير
الجمعة 29 نوفمبر 2024
في صباح 30 نوفمبر 1967، طوى جنوب اليمن آخر صفحة من الاحتلال البريطاني الذي بدأ في عام 1839 حين احتلت القوات البريطانية مدينة عدن بقيادة القبطان ستانفورد هيينس. خلال أكثر من 129 عامًا، كان الجنوب مسرحًا للسياسات الاستعمارية التي استغلت موارده وجعلته قاعدة استراتيجية على طريق التجارة البريطانية إلى الهند. لكن مع مرور الوقت، بدأت المقاومة تتصاعد، خصوصًا بعد الحرب العالمية الثانية، عندما زادت الفجوة بين المستعمر والمواطنين وظهرت مطالب الاستقلال. في أوائل الستينيات، تأسست حركات الكفاح المسلح مثل الجبهة القومية لتحرير جنوب اليمن المحتل (NLF) بقيادة قحطان الشعبي وجبهة تحرير جنوب اليمن المحتل (FLOSY) التي كان لها دور فاعل في تأجيج الثورة.
في 14 أكتوبر 1963، انطلقت شرارة الكفاح المسلح من جبال ردفان، حيث قاد راجح بن غالب لبوزة أولى العمليات المسلحة ضد البريطانيين، لتتحول الثورة إلى حركة شعبية واسعة النطاق. بين عامي 1964 و1967، نفذ الثوار أكثر من 286 عملية فدائية في مدينة عدن وحدها، مما جعلها مركزًا للمقاومة المسلحة. وردًا على ذلك، أرسلت بريطانيا قوات إضافية تجاوزت 60 ألف جندي في محاولة يائسة للسيطرة على الوضع، لكنها لم تستطع وقف زخم الثورة.
في نوفمبر 1967، وبعد معارك طاحنة وضغط دولي متزايد، اضطرت بريطانيا إلى التفاوض مع الجبهة القومية للتحرير، حيث تم الاتفاق على تسليم السلطة. وفي 30 نوفمبر، غادر آخر جندي بريطاني ميناء عدن، وأُعلن استقلال جنوب اليمن، وتأسيس جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية برئاسة قحطان الشعبي كأول رئيس للجمهورية.
كان هذا الاستقلال ثمرة كفاح طويل ودماء طاهرة، أبرزها دماء راجح لبوزة الذي استشهد في أكتوبر 1963، ودماء آلاف الشهداء الذين سطروا تاريخًا لن ينسى. يوم 30 نوفمبر لم يكن مجرد يوم عادي، بل لحظة انتصار لإرادة شعب أبى أن يخضع، وكتب نهاية لحقبة استعمارية ظالمة، وبداية لمستقبل صنعه بيديه.