حضرموت… مرآة..التناقضات اليمنية .

( #تاربة_اليوم ) / كتابات وآراء
كتب : حسين باراس
15 ابريل 2025
في ظل المشهد اليمني الممزق وحالة الفوضى التي خلفها فشل الدولة وتغول المشاريع المناطقية والمذهبية، تتكاثر المبادرات والمطالبات بحق تقرير المصير في مختلف أقاليم اليمن. غير أن الملف الحضرمي وحده ظل الهاجس الأكثر إزعاجًا للنخبة اليمنية السياسية والمجتمعية على حد سواء ،ويكفي أن نستعرض ردود الفعل منذ انطلاق الهبة الحضرمية الأولى لندرك مدى الاصطفاف، غير المسبوق، الذي تشكل من أطراف مختلفة، لم يكن يجمعها شيء سوى الرغبة في إفشال أي مشروع حضرمي مستقل، أو حتى مطالبته بحقوق عادلة .
ما يثير الانتباه أن حضرموت، وعلى الرغم من تمسكها بالوسائل السلمية، لم تُعامل كغيرها من المناطق ، ففي الوقت الذي تُترك فيه النزاعات في الشمال والجنوب لتُدار بتراخٍ ولامبالاة، واجهت حضرموت منذ لحظتها الأولى أدوات الدولة الأمنية كاملة . بل إن يوم الهبة الحضرمية الاولى سجل سابقة تاريخية في اليمن ، حيث قُطعت الاتصالات بالكامل (ولأول مرة )في مشهد يؤكد حجم القلق من اي حراك حضرمي .
ولأن لكل فعل رد فعل، فإن تعاطي العقل السياسي اليمني مع حضرموت يكشف بوضوح عمق الأزمة الأخلاقية التي تعيشها مراكز القوى. فحين يطالب الحضرمي بحق تقرير المصير، تتسابق الأطراف إلى إطلاق التهم، ونسج روايات المؤامرة، وتخوين المطالبين، بل واتهام دول الجوار . وهي نفس الأطراف التي تُهلل لحركات الانفصال أو الفيدرالية في مناطق أخرى ، دون أن تُتّهم بالتآمر أو الخيانة !.
الازدواجية في الخطاب، والتعامل مع حضرموت باعتبارها مجرد مورد للثروة أو منجمًا للتاريخ والموسيقى والفن ، دون الاعتراف بأهلها كشركاء حقيقيين في القرار، هو جذر المعضلة . الحضارم يُستحضرون حين يُراد التباهي بحضارتهم أو تاريخهم أو انتشارهم في جنوب شرق آسيا ، لكن يتم اقصائهم حين يطالبون بمكانهم على الطاولة ، أو بموقعهم المستحق في صنع القرار.
حضرموت ليست مشروعًا طارئاً ، بل هوية ضاربة في جذور التاريخ، وثقافة متماسكة، وجغرافيا تُشكل العمق الاستراتيجي ليس لليمن فحسب، بل للمنطقة بأكملها . من هنا تنبع المخاوف الحقيقية من مشروع حضرمي مستقل؛ لأن حضرموت بقيمتها التاريخية والاقتصادية والجيوسياسية تُدركها النخب اليمنية قيمتها جيّدًا، لكنها ترفض التعامل معها بندية وعدالة .
ولا عجب أن تُقابل مطالبات الحضارم بحقوقهم المشروعة بحملات تشويه وتخوين، بينما تُمنح التنازلات السياسية بسخاء في ملفات أخرى أكثر تعقيدًا. هذه العقلية التي ترى في حضرموت “أرضًا وثروةً فقط” وتغض الطرف عن الإنسان الحضرمي وإرادته، هي من دفعت الحضارم إلى تبنّي خطاب سياسي محتلف اكثر حدة ووضوحا، يقوم على استرداد الكرامة، وتحقيق العدالة، وصياغة مستقبل يتجاوز عقدة التبعية ، ويفتح الباب أمام تقرير مصير يعبّر عن الإرادة الجمعية لحضرموت .
إن الحديث عن تآمر خارجي لمجرد أن أبناء حضرموت ينادون بحق تقرير المصير، هو تهرب من الحقيقة، وتزييف للواقع . أما تصوير الذات كضحية في الوقت الذي تُغرس فيه سكاكين الغدر في خاصرة حضرموت، فهو منتهى الاستخفاف بالوعي الجمعي..
ختامًا، حضرموت ليست ساحة لتصفية الحسابات ، ولا منصة للرهانات الإقليمية، بل قضية حق، وصوت شعب، لا يجب أن يُخنق باسم الوطنية الزائفة، ولا أن يُصادر تحت شعارات مخادعة. من أراد وحدة حقيقية، فليبدأ بالعدالة أولًا، فالعدل وحده هو الذي يصنع الأوطان، ويمنحها معنى وشرعية .