خلل قيادي..الأزمة التي تعرقل نهوض حضرموت..

( #تاربة_اليوم ) / كتابات وآراء
كتب : حسين باراس
13 ابريل 2025
حضرموت اليوم تعاني من ازمة عميقة تتجاوز المشاكل الخدمية الظاهرة على السطح، لتكشف عن خلل جذري في البنية القيادية والسياسية للمنطقة. هذا الخلل ليس وليد اللحظة، بل هو نتاج تراكم طويل من التهميش والانقياد الأعمى لمنظومة مركزية تتحكم في مفاصل القرار، بينما تُقيد إرادة أبنائها وتُفرغ مواقعهم من مضمونها.
كلما توجه أحد أبناء حضرموت إلى مسؤول محلي أو مركزي عُيِّن من قبل السلطة المركزية، وطرح عليه شكوى تتعلق بانقطاع الكهرباء، أو تدهور الخدمات، أو تغييب المواطنين قسرًا، أو تفشي البطالة رغم وجود الكفاءات المؤهلة؛ يأتيه الجواب الجاهز: “هذا خارج سلطتي”. تُرمى الكرة تارة إلى صنعاء، وتارة إلى عدن، وأحيانًا إلى التحالف أو أمريكا.
وحين تُطالب هذا المسؤول بأن يتحرك بصفته ممثلًا لحضرموت، يجيبك بأنه مجرد موظف مُعيَّن، مقيَّد بالقانون، لا حول له ولا قوة.
ومع أن هذا التبرير يحمل في طياته جزءًا من الحقيقة، إلا أنه أيضًا ستار يُخفي وراءه عجزًا إراديًا، ورضوخًا لمعادلة سياسية مختلة، جعلت من المسؤول مجرد أداة تنفيذ، لا صاحب قرار.
الكهرباء؟ “خارج سلطتي”.
التوظيف؟ “أوامر من فوق”.
الأمن؟ “أجهزتنا مقيدة”.
الحقوق؟ “اصبروا وادعوا”.
وكأن على أبناء حضرموت أن يعيشوا تحت رحمة ومزاج المركز .
لكن ما إن يتحرك أبناء حضرموت للمطالبة بحقهم في القرار، ويتطلعون إلى إدارة شؤونهم بأنفسهم، حتى ترتفع الأصوات ذاتها، وتنتفخ الأوداج، وتُرفع رايات التخوين. يتحول أولئك الذين اعترفوا مسبقًا بعجزهم إلى خصوم شرسين لأي محاولة لتغيير الواقع، ويتحول أبناء الأرض إلى “خطر” يجب إسقاطه بتحالفات مريبة مع الخارج.
وهنا تتجلى المفارقة: لا يريد أن ينزل عن ظهر الحمار، ولا يريد أن يدفع أجرته.
إن الصورة التي تُرسم اليوم لأبناء حضرموت هي صورة خادمة للسلطة المركزية، لا شريكًا فيها. يريدون منا أن نكون مجرد أداة ترفعهم إلى المناصب، بينما لا يحق لنا أن نطالب بشيء. فقط عندما يتعرضون للفصل أو التعسف من المركز، يُفترض بنا أن نتضامن معهم ونتعاطف معهم. يريدوننا أن نسهر على راحتهم، كمشجع متعصب في مدرجات كرة القدم، يهتف للعبة الحلوة دون أن يلمس الكرة.
لكن الحقيقة الجلية التي يجب أن تُقال: من لا يمتلك قرارًا، لا يمكنه أن يصنع واقعًا.
حضرموت لن تنهض إلا إذا امتلكت قرارها السياسي. مشكلتنا في جوهرها ليست خدمية، بل سياسية. فالخدمات تتحقق حين يُتخذ القرار الوطني من داخل الأرض، من قبل أبنائها الذين يعانون ويعرفون الحاجة. يجب أن ننتزع قرارًا سياسيًا نابعًا من حضرموت، يكون فيه المسؤول من أبناء الأرض، محاسبًا من أهلها، خادمًا لقضاياها .
غير ذلك، سنظل كرة تتقاذفها الأيادي: مسؤول انتهازي من الداخل، ومركز مهيمن من الخارج، لا يرى في حضرموت سوى بئر نفط، أو أرضٍ واسعة تُعرض للبيع في سوق المصالح…