ترجل عن صهوة جواده فارس التَّعاونيات في المعافر

بقلم / جواد محمد ناجي النابهي
ليس فقط عزلة الأنبوه بل أغلب عزل مديرية المعافر خسرت أحد أبرز رموزها الإجتماعية والإنسانية المناضلة ، الذين كانت لهم بصماتهم المتميزة ، تاركًا خلفه إرثًا ثريًا في شتى المجالات كالتعليم والصحية ومشروع المياه والطرقات ، والمبادرات المجتمعية وما مدرسة الصدع إلا خير شاهد على ذلك ، إلى جانب تميز بالجرأة والصراحة والإنحياز إلى جانب مصالح البسطاء والضعفاء ، بل والدفاع عنهم وعن حقوقهم على مدى أكثر (6) عقود ونيف.
رحل عنا رجل الفزعات والمهمات الصعبة رجل التعاونيات والإنسانية ، صديق الفقراء والمساكين والأيتام ، الرجل الذي كان يقطع مسافات طويلة متنقلًا بين المحافظات ، حاملًا بإحدى يديه علاقيته أحيانًا وشنطته في أحيان أخرى ، والتي تحتوي كل هموم المنطقة وقضايا أبنائها ، همه الأول والأخير هموم من حوله ، يسعى جاهدًا لقضائها وحل مشاكلهم وقضاياهم التي تمس كل جوانب الحياة اليومية والمستقبلية فقد كان السباق لها وكان يشكل ركن الزاوية في حلها ، ولا ننسى عصاه التي كان يقرع بها كل أبواب المسؤولين في جميع الوزارات والمرافق الحكومية ، لم يسقط يومًا ولم يرتاح لحظة.
كان متواضعًا يتحدث مع الصغير قبل الكبير ، مع الرجل والمرأة ، بلغه واحده ولهجة مفهومة ومشاعر أبوية صادقة ، ووجه وضاء وثغرٍ باسمٍ وقلبٍ ودود لا يعرف الحقد والبغضاء إليه سبيلا ، وكان جادًا في الحق وطرق الخير لا يهادن ولا يجامل وكان لا يخاصم ، ويحضى بحب كل الناس حتى من يزعمون أن ما يقوم به من عمل وهو كله خير يتعارض مع مصالحهم ، لقد كان تاجًا على رؤوسنا ، وقد شعرنا بعد ترجله من صهوة جواده بأنه كان العمود الفقري للمنطقة كلها ، ليس له ند ولا مثيل ، ترجل عن صهوة جواده فارس التّعاونيات والإنسانية بعد رحلة طويلة في العمل الخيري والإنساني المتواصل في الأنبوه ، فقدنا جلالة روحه وتسامحه ، طيبته النادرة المكسوة برقة ابتسامته التي كان يقابل بها الجميع ، كانت ضحكاته شِعرٍ وابتساماته أغانٍ ملوّنة ، هادئ في الحضور ، الكل يعرفه مناضلًا في شتى المجالات ، بعد أن عاش محبًا وعاشقًا للخير والإنسانية.
واخيرًا افتقدناه بعيون باكية ، سلام عليك يا #عبدالقاهرسعيدالنابهي … لروحك الرحمة والخلود ، ولتنم روحك بسلام ، وداعة الله شيخنا الجليل ، يا أجمل الرجال.
ما كنت أشفق من لهْفٍ ومن جزعٍ
ولا أُحقُّ لهذا الحزن إحقاقا
ولا ظننت نداء الفقد قارعةً
حتى سمعتُ غراب البين نعّاقا
أبكي على وطنٍ طالت فضائلُه
كلَّ الفروع .. مع الأغصانِ أوراقا
أبكي على كرمٍ يمشي على قدمٍ
إحسانُه قد جرى في الكل دفّاقا
أبكي على علَمٍ في الناس من معافرٍ
يقرُّه الناس إحسانًا وأخلاقا
تبكي في (الأنبوه) أحجارٌ وأبنيةٌ
قد بللها بحُر الماء مهراقا
تجفُّ كل نباتات له نُسبت
بطيِّب الماء يُسقي الزرع رقراقا
نافورةُ الدار جفّت إذ تودِّعه
وبيت مونته قد حيق إملاقا
يئنُّ صوتُ ديارٍ غاب صاحبُها
يموت كلُّ رواق .. إذ بها راقا
تظل سفرته في الدار عامرة
فخير (أبا صخرٍ) كان سبّاقا
ألا (وأبا صخرٍ) مقصَدٌ .. علمٌ
ترى المروءاتِ والإحسانِ ميثاقا
ألا (وأبا صخرٍ) .. طاب منزلُه
لذَّ الطعامُ به .. وانهال إنفاقا
منذُ الصباح وهذي الشّمس تشهده
بدأبه وجميل الصُّنع إشراقا
يظلُّ يقرأُ الضيف .. والقرآن جنتُه
يحبُّ (يسٓ) .. يتلو الآي رقراقا
يرتّب العمر .. للأنبوه يشغلُه
كلُّ التفاصيل إكرامًا وإشفاقا
قد مات اليوم في أرواحنا يمنٌ
ومات الأب .. مات العطفُ توَّاقا
كل المعالم بعد الحِبُّ ضائعةٌ
كل الأماكن لو دقّقت أخلاقا
أرثي الفقيد والحُب الذي بَذله
نما ليصبح في الأرواحِ أعلاقا
وأوصى الأب دفنًا في مرابعِه
عند الأحبةِ .. آمالًا وأشواقا
يا بيت نبهان يا أشلاءَ أمنيةٍ
قد أقلقَتني طوال العمر إِقلاقا
هزَّ الحنين خيالًا كان يسكنني
ثم انمحى وتلاشى .. والمدى ضاقا
كأنه ما مشى في البيت من ولدٍ
كأنه ما ازدهى فيهم ولا راقا
كأنما خفتت ضحكاتهم ومضو
صار الصَّدى في أتونِ الصّدر شهّاقا
سليم القلب .. لبّى أمر بارئه
لمّا دعاهُ .. وكان الوعد مِصداقا
ويسّر اللّٰه في حُسنِ خواتمَه
فقلبه لنعيم الوصل .. قد تاقا
حتى يطير لرب الكون في فرحٍ
وقلبُه من سليم الظن مشتاقا
رباه أحسن لذات البذل منزله
رباه وسّع له الأجداث آفاقا
رباه أكرِمه .. أحسن وِفادته
كما تفانا بهذا الوصف إعراقا