بين القراءة لشرع والقراءة بالطبع !!

كتب : زكي بن علي الاربعاء ٥ يونيو ٢٠٢٤ م
وكل امرء يقرأ ما حواليه بعين طبعه ، والبيئة والثقافة المؤثرة على كيانه ، فهي أداة القراءة ، النابعة عن قناعات .. صحيحة كانت أم باطلة ..
وهذه القناعات هي التي يريد المؤثرون الوصول إليها والتحكم فيها ، إذ بها يمكن السيطرة على الجوهر الإنساني ومنه إلى الكيان المجتمعي ..
و هذه القناعات كذلك منها ماهو مبني على حق ومنها ماهو مبني على باطل ..
والحق ما وافقه العلم والمعرفة والفطرة و العقل والمنطق .. و شرعة الإسلام دين السماء ، هو الدين الذي وافقه كل ذلك ..
ولذا وجب أن نقرأ كل مايجري حوالينا بثقافة هذا الشرعة المصونة وعينها ..
فمن جيلنا المعاصر من يقرأ ألتاريخ والماضي والحاضر والمستقبل ويقرأ المواقف كذلك بعين طبعه المختل الذي تدخل في التأثير عليه ابليس وأعوانه وثقافات وضعية قاصرة تأخذ وقتها وتذهب كسحابة صيف ، وكل ذلك بعيدا عن عين العقل والإنصاف فنتج عن ذلك اختلال في التصرفات واتخاذ القرارات .. ونتج عن ذلك خلط و خبط ملحوظ في الحياة الخاصة والعامة ..
و لنعلم أنه في غالب الحالات ما يأتي هذا الشرع مخالف للطبع البشري ، ونقصد بالطبع البشري : نزغات وشهوات النفوس البشرية .. لذلك يعيش الإنسان في بداية ادراكه مع صراع نفسي ، بين تحكيم الشرع الذي فيه تحقيق مصالحه الآنية والمستقبلية .. علم أولم يعلم .. وبين إخضاع تلك الطباع النمروذية لشريعة المشرع الحكيم جل في علاه .
وهناك مؤثرات عدة تساعد الراغب في تحكيم الشرع والعكس من ذلك ليس هنا محل بسطها ..
ولذا أمرنا القرآن الكريم بتزكية النفس البشرية بتقنين طباعها وتهذيبها فقال تعالى : ( *ونفس وماسواها فألهمها فجورها وتقواها قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها*) ..
وربط عز وجل التغيير الحقيقي لا الصوري ، بتغيير طباع هذه النفس بالشرع السماوي فقال تعالى :
*( … إِنَّ ٱللَّهَ لَا یُغَیِّرُ مَا بِقَوۡمٍ حَتَّىٰ یُغَیِّرُوا۟ مَا بِأَنفُسِهِمۡۗ …)*
وما ذلك الصراع النفسي إلا ضرب من الإبتلاء الذي صبغ الخالق الحكيم عليه هذه الحياة برمتها ، صراع دائم بين الخير والشر والحق والباطل ، فهذا الصراع يبدأ من داخل النفس وينتهي بآثار ذلك على واقع الحياة الخاصة و العامة .. و هو نوع من أنواع الجهاد بل هو أس الجهاد ومعدنه .. *(والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين)*
أما إذا بقيت النفس على طباعها ونزواتها وأطلق لها العنان تعثو في الأرض فسادا ، فإنها تكون كالأسد الضاري ، الذي يصبح ويمسي عدواني الطبع تسوقه شهواته وغرائزه دون رقيب ولا حسيب ، ولو كان ذلك على حساب اهلاك ودمار غيره .. وصارت هذه النفوس تقرأ كل شي بعين المصلحة وعين المحاباة وعين المكر وعين الأنانية وعين الإثارة والصراع و عين حب التسلط والتعالي ..
لكنها حين تصقل بشريعة ربها وتسربل بسربال القيم والشرعة السماوية ، حينها تقدم الحق على الباطل ، بل تقدم الأفضل على الفاضل ، ولو كان ذلك على حسابها وعلى حساب مطامعها .. وربما تظهر أمثال هذه الحقائق على غير المسلم ، فنقول : إن ذلك ناتج عن حفاظه على فطرته وإنسانيته *( فطرت الله التي فطر الناس عليها )*
والحقيقة أننا اليوم نعاني من القراءة المشوبة بشوائب الطبع والمزاجية والأهواء ، أو وفق ثقافات وضعية دخيلة متقلبة الثوابت والأسس ، وهي التي لاتريد تحكيم الشرع المنزل من لدن حكيم خبير .. *(وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا )*
وحينها تدخل الأفكار في دوامه من الصراعات والشتات وتبادل الإتهامات وما يجري وراء ذلك من قتل وتشريد وظلم لا آخر له ..
وإنما تكون أحبتي القراءة بعين الشرع بتلقيه بدرجة أولى ، عن أهله بالسند المتصل إلى مصدره ، وهذا معيار التلقي ، فليس كل من ادعى دعوى يصدق ..
ولاسيما أننا بزمن الدعاوي في كل مناحي حياتنا المعاصرة ويختلط على الكثير منا معرفة أهل الإختصاص عن اهل الدعاوى ، و يجهل الكثير أن أكبر خصيصة يمكن أن نميز بها بين الفريقين هي الخشية *(إنما يخشى الله من عباده العلماء)* فالخشية والوجل هي البوصلة التي نميز بها ما يختلط علينا ، ومبحث الخشية مبحث له أسسه وأصوله وقواعده وليس دعوى أو مظهر مزيف .. من خلفه خبث ونكاية ..
إن أهل الخشية من العلماء الربانيين يحملون هذه الحصانة النصية من الكتاب المهيمن .. والمعنى أن الخشية والوجل هو الحال الغالب على ذواتهم وأحوالهم ..
فلا يقولن أحدنا أنه اختلط عليه الحابل بالنابل فالعلامة جلية واضحة ..
وربما يقول قائل إن هذا التقلب مشهود حتى في من لهم انتماء إلى الشرع !!
فنقول إن ذلك يكون لأمرين اثنين .. الأول : أنه تغيير في الفروع والوسائل لا في الأصول والثوابت ..
ثانيها : أنه إنما يكون ممن ليس له سند متصل إلى مصدر الرسالة ، ولم يرسخ فيه مبدأ الخشية الذي جعله فاطر السموات والأرض معيارا أساسيا للعلماء الثقاة ..
ثم كما يقال :
*و إذا لم ترى الهلال فسلم*
*لقوم رأوه بالأبصار*
فإذا وجدتهم وتبينت وصفهم فخذ عنهم الشرع و *(اقرأ باسم ربك الذي خلق خلق الإنسان من علق اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم علم الإنسان مالم يعلم )* ..
ودمتم ..