مركزة التفاهة

كتب / عيسى صالح كند
الثلاثاء 4 يونيو 2024
من أشد معضلات عصرنا الحاضر مركزة التفاهة ؛ تلك المعضلة التي وقع في فخها الكبير و الصغير و الذكر و الأنثى ، و لم ينج منها حتى كثير ممن يشار إليهم بالبنان ، و ممن يقودون دفة المجمتع ، و يُعدون من النخب في مختلف المجالات !
التفاهة أصبحت تحاصر المجتمع ، و تتحكم في تنشئة الأجيال ، و تحدد معايير الرقي ، و التقدم للأشخاص ، و المجتمعات ، و يتمركز عليها كل شيء في الحياة !
لم يعد من الغريب و لا العجيب في العصر الحاضر أن تقوم العداوات من أجل ممثل أو ممثلة ، و تُسال الدماء من أجل كرة قدم أو طائرة !!
و لم يعد من العجيب أن تُنفق المليارات على التافهين و التافهات من أهل الفن ، و الرياضة ، و المجون ، و الخلاعة ! في حين أن أصحاب المشاريع الجادة ، و العلم الخادم للمجتمع ، لا يجدون ربع العشر من العناية التي تقدم للتافهين !
هذا الضخ الهائل الذي يوجه لخدمة التفاهة ماليا و إعلاميا يضع المجتمع على حافة الهلكة ! ؛ وذلك من خلال جعل التافهين قدوات تؤثر في الأجيال و النشئ ، بل و تؤثر في المربين و صناع الأجيال !
أصبحنا في زمن يفقد الواحد منا اتزانه ، و تفلت منه أعصابه لمجرد نقاش رياضي ذُكر فيه لاعبه المفضل أو فريقه المفضل بسوء في حين تنتهك حرمات المسلمين ليل نهار و لا تجد منه ( حتى كلمة استنكار) فضلا عن اهتمام و حزن و دعاء !
لا يمانع من خلق المبررات لما يفعله من تعصب للتفاهة ، و محورة لها في حياته ، فإذا جاء زمن الجد ، و التفاعل مع العظائم نام و استراح !
حديث المجالس طغت عليه التفاهات ، و في الشوارع طفح الكلام عن التفاهات ، و الرزية الكبرى أن وصلت النقاشات ( التفاهية) إلى المساجد ، و الحلقات ، وفي الدروس و أعقاب الصلوات ..! بل و لن أبالغ إن قلت أن التعلق ببعض التفاهات وصل مداه ، فصارت الدعوات في السجود في الصلوات تُرفع بخشوع ، و إخبات؛ لكي تفوز فرق ، و تخذل أخرى في المباريات !
لقد بلغت التفاهة في حياتنا مبلغا كبيرا ، و قد آن الأوان لإعادة النظر في هذا الأمر فلا يستقيم أبدا أن تُذرف الدموع على خسارة فريق في مباراة- لا يمكن أن توصف إلا بأنها ( ترفيه ) في أحسن الأحوال ، و إلا فحقيقتها تفاهة أُلبست لباس الجد وهو منها براء!- في حين لا تذرف دمعة واحدة على دماء مسلمة تسال ، و أعراض شريفة تنتهك في أصقاع الأرض شرقا و غربا!
لا يستقيم بحال أن يربى الأبناء على موالاة التافهين كفارا كانوا أو مسلمين ، و هناك مسلمون يذبحون بدم بارد على أيدي الكافرين و لا تهتز لذبحهم شعره!
لا يستقيم مطلقا أن يربى أبناء المسلمين على تعظيم الكافرين من باب النجومية ، و الفن ، و الرياضة فيؤدي ذلك إلى خلع الولاء و البراء ، و تقديم المحبة لمن لا ينبغي له إلا البغض! بأعذار واهية و حجج تافهة و المحصلة تعظيم و تأثر و انبهار بالكافر ، و حزن لحزنه ، و بكاء لمصابه بل و غضب له ! و قد رأيت من رضي بسب أخيه و أبيه فلما سب نجمه الكافر ما استطاع أن يتحمل فانتفخت أوداجه ، و استعظم الحديث في حبيبه ، و استعد للقتال ، و أفحش في الكلام ، و أخرج من قواميس المسبات ما عجز عنه الأولون و الآخرون ولا حول و لا قوة إلا بالله !
إننا بحاجة لمركزة المركزيات ، ووضع التفاهات في حجمها ، و مواجهة دعاتها ، و أهلها فالترفيه مهما وضعت له القوانين ، و صار اشبه بالجد لن يعدو كونه ترفيها له فُضلة الوقت .. أما أن يسيطر على الحياة بكل تفاصيلها فتلك هي مركزة التفاهات التي لا يمكن لعاقل أن يقبلها و لا أن يسكت عليها !.