حضرموت بين استعادة القرار وتكريس الأمر الواقع
بقلم : أ . احمد سعيد باتيس .
الاثنين 15 ديسمبر 2025
لم تعد حضرموت مجرد مساحة جغرافية بل خزان ثروات يُدار من الخارج، بل باتت اليوم في قلب معادلة سياسية معقّدة تتقاطع فيها المصالح المحلية والإقليمية، وتُختبر فيها قدرة أبنائها على حماية قرارهم وثروتهم في آن واحد.
المشروع الذي عبّر عنه الشيخ عمرو بن حبريش لم يكن خروجًا عن السياق الوطني، بل محاولة لإعادة تصحيح الخلل في العلاقة بين المركز والأطراف، عبر طرح رؤية تقوم على أن تُدار حضرموت بإرادة أبنائها، وبما يتناسب مع ثقلها الاقتصادي والاجتماعي، بعيدًا عن منطق الوصاية أو الإلحاق القسري. غير أن هذا الطرح وُوجه بمقاومة شديدة من قوى رأت في استقلال القرار الحضرمي تهديدًا مباشرًا لبنية نفوذها ومصالحها المتشابكة.
اليوم، يتبدّى المشهد أكثر وضوحًا: صراع متصاعد على الثروة، وتكريس تدريجي لمنظومة “الأمر الواقع”، حيث تُدار الموارد خارج إطار الشفافية والمساءلة، وتُستنزف العوائد دون أن تنعكس على حياة المواطن أو استقرار الإقليم. وهي معادلة سبق أن اختبرتها مدن أخرى، وكانت نتائجها تفكك القرار المحلي وتآكل الثقة بين المجتمع والدولة.
غير أن حضرموت، بما تمتلكه من وعي اجتماعي وتماسك قبلي ورصيد تاريخي، لا تزال قادرة على تفادي هذا المسار، شريطة الانتقال من حالة الترقب إلى بناء موقف سياسي جامع، يقدّم المصلحة العامة على الحسابات الضيقة، ويعيد الاعتبار لمفهوم الشراكة في السلطة والثروة.
إن لحظة حضرموت الراهنة ليست لحظة صدام، بل لحظة مفصلية لإعادة التموضع السياسي، وفرض معادلة جديدة تقوم على احترام الإرادة المحلية، وحماية الثروة من الاستنزاف، وتثبيت حضرموت كفاعل رئيسي في مستقبل البلاد، لا كملف يُدار عند الضرورة.
فالتاريخ لا ينتظر المترددين،
والفرص التي تُهدر باسم الواقعية السياسية، كثيرًا ما تعود في شكل أزمات أعمق وأكثر كلفة






