مصير إعلان الاستقلال…. بين السيطرة على الأرض والاعتراف الدولي..
بقلم / أ. حسين باراس .
الاربعاء 10 ديسمبر 2025.
في المرحلة الحالية، ومع دخول قوات المجلس الانتقالي إلى وادي حضرموت، عادت الأصوات والخطابات الشعبوية التي تتحدث عن ما يُسمّى استقلال الجنوب العربي. لكن السؤال الجوهري يبقى: هل السيطرة على الأرض كافية لإعلان دولة مستقلة، أم أن الأمر أكثر تعقيدًا من ذلك؟
لكي تنفصل منطقة أو إقليم عن دولة، هناك شروط محددة يجب تحققها، أهمها الاعتراف الدولي. لفهم ذلك بشكل أفضل، يمكن العودة إلى التجارب التاريخية خلال العقود الأخيرة، خاصة بعد سقوط الاتحاد السوفيتي، حيث شهد العالم العديد من محاولات الانفصال وإعلان الدول الجديدة.
أول مثال هو استقلال تيمور الشرقية، حيث ناضل شعبها طويلاً ضد الاحتلال الإندونيسي، وحدثت اضطرابات كبيرة، وتدخلت أستراليا والولايات المتحدة لضمان إجراء استفتاء عادل. قبلت إندونيسيا بنتيجة الاستفتاء، وفاز أنصار الاستقلال، وأصبحت تيمور الشرقية دولة مستقلة مع اعتراف كامل من المجتمع الدولي، بما في ذلك إندونيسيا نفسها….
المثال الثاني هو استقلال إقليم كوسوفو، الذي تحقق بعد تدخل حلف الناتو لحماية المدنيين الألبان في الإقليم، وضرب القوات الصربية حتى انسحبت. أُعلن استقلال كوسوفو، واعترفت به معظم دول العالم، رغم رفض صربيا الاعتراف به حتى اليوم. هذا يوضح أن الاعتراف الدولي الموحد من الدول الكبرى هو العامل الحاسم في نجاح أي إعلان استقلال.
نموذج جنوب السودان يقدم مثالًا آخر، حيث تم توقيع اتفاق سلام طويل وفترة انتقالية ، تلاه استفتاء ادى الى استقلال جنوب السودان ،اعترف الخرطوم الاعتراف المجتمع الدولي بالدولة الوليده.
أما جمهورية أرض الصومال، فهي حالة فريدة تشبه تجربة جنوب اليمن إلى حد كبير. تعود جذور أرض الصومال إلى الحقبة الاستعمارية، حيث كانت تحت الاحتلال البريطاني حتى عام 1960، واستقلت، واعترفت بها أكثر من 34 دولة آنذاك. لكن قادة الدولة الناشئة سعوا لحلم الصومال الكبير، فدخلت في وحدة اندماجية مع جنوب الصومال. بعد الوحدة، تعرض سكان شمال الصومال إلى التمييز حسب بعض الروايات، ومع انهيار الدولة في الصومال أعلنت أرض الصومال استقلالها مرة أخرى، لكن لم يُعترف بها دوليًا.
ومن الغرائب التاريخية أن أرض شمال الصومال كانت الدولة الوحيدة التي اعترفت بجمهورية اليمن الديمقراطية التي أعلنها علي سالم البيض في 21 مايو 1994م. بعد الاستقلال، حافظ شمال الصومال على الأمن واستقرار أراضيه، ولم تشهد اضطرابات كبيرة مقارنة ببقية مناطق الصومال، وكانت حالة إدارية مستقرة، لكنها لم تُعترف بها دوليًا، رغم الإدارة الفعالة.
كل هذه التجارب التاريخية تؤكد أن إعلان الاستقلال من جانب واحد، حتى مع السيطرة على الأرض، قد لا يكون كافيًا لإقامة دولة مستقلة ومعترف بها. النجاح يحتاج إلى اعتراف دولي واسع، دعم عالمي موحد، اتفاقات قانونية وسياسية، واستقرار داخلي.
كما أن إعلان الاستقلال بدون اعتراف من المركز يحمل مشاكل كبيرة؛ فحتى إذا كانت هناك حالة استقرار محلية، فإن الحكومة المركزية لها الحق القانوني في السيطرة على الأقاليم، ولا يوجد سند دولي يعترف بسيادة الأقاليم المنفصلة. على عكس حالات الاحتلال المعترف بها دوليًا، حيث تكون هناك قاعدة قانونية للاعتراف بالسيادة. ومثال واضح على ذلك ما حدث في ناغورني قره باغ، حيث قامت أذربيجان بغزو الإقليم، رغم أن سكانه من الأرمن يعيشون هناك منذ آلاف السنين، لأن باكو تمتلك السند القانوني، والعالم يعترف بسيادة أذربيجان على الإقليم.
ختامًا، من يسعى للاستقلال، سواء في الجنوب العربي أو أي منطقة في العالم، يجب أن يدرك أن النتائج ليست ثابتة، وأن الطريق إلى الدولة المستقلة يتطلب استراتيجية سياسية ودبلوماسية متكاملة، وليس مجرد السيطرة على الأرض. هناك العديد من النماذج والدروس حول الاستقلال، وكلها تؤكد أن الاعتراف الدولي والدعم العالمي هما العاملان الحاسمان لنجاح أي مشروع استقلال…






