حضرموت… هل يتمكن الخنبشي من إنقاذ مؤسسات الدولة من أيدي التدخلات والصراعات الداخلية والخارجية؟
( #تاربة_اليوم ) / كتابات وآراء
كتب : د. أحمد بن إسحاق
30 نوفمبر 2025
في لحظة إقليمية ملبّدة بالتوتر، ومع مشهد داخلي يتجه نحو مزيد من الانقسام وتفاقم صراع النفوذ، جاء قرار تعيين الأستاذ سالم أحمد سعيد الخنبشي محافظًا لحضرموت، ليضع المحافظة أمام اختبار جديد قد يغيّر مسارها أو يرسّخ أزماتها.
حضرموت، التي طالما عُرفت بهدوئها وعمقها التاريخي وأصالتها الاجتماعية، تعيش اليوم حالة غير مسبوقة من الانقسام، وصلت حد التحشيد العسكري القبلي وتكوين تشكيلات مسلحة توازي – وربما تفوق – المؤسسات الرسمية عدّةً وعتادًا. قبائل مسلحة جهارًا، ومكوّنات خارج سلطة الدولة تتصرف بوصفها كيانات موازية، وتمارس نفوذًا يمتد إلى الأمن والإدارة والقرار السياسي، حتى بات الحديث عن “هيبة الدولة” أقرب إلى ذكرى منه واقعًا.
تآكل مؤسسات السلطة المنتخبة زاد المشهد تعقيدًا؛ فالمجالس المحلية والنيابية انتهت صلاحيتها منذ سنوات، وتوقف عمل السلطات التشريعية والإدارية جعل المواطن متفرجًا على صراعات النفوذ دون أن يكون له أي صوت في إدارة شؤونه أو تقرير مستقبل محافظته. لم يعد المواطن يرى الدولة إلا في اسمها، أما وظائفها فقد تقاسمتها مراكز قبلية وحزبية ومناطقية، فأصبح الكثيرون يبحثون عن حماية بديلة في قبيلة أو تيار أو مكوّن مسلح، لينكمش الوطن الكبير في دوائر صغيرة متصارعة، وتتمزق معها وحدة النسيج الاجتماعي، ليُفتح الباب أمام احتمالات خطيرة تهدد السلم الأهلي.
وسط هذه الفوضى، تبرز أهمية تعيين سالم الخنبشي. فالرجل لا يأتي بصفته مسؤولًا إداريًا فحسب، بل محمّلًا بخبرة علمية وسياسية ممتدة؛ حاصل على الماجستير في علم الاجتماع منذ ثمانينيات القرن الماضي، وتدرج في التدريس الأكاديمي حتى نال درجة الأستاذية، وتقلّد مناصب نيابية وحكومية رفيعة، وتولى حقائب وزارية وقيادية، وشارك في محطات سياسية مفصلية من مؤتمر الحوار الوطني إلى مشاورات الرياض وغيرها. هذه الخلفية تمنحه قدرة أكبر على قراءة العوامل الاجتماعية والسياسية التي صنعت الأزمة، وتشخيص جذور الصراع الذي يتجاوز مجرد الخلافات المسلحة إلى خلل بنيوي في مؤسسات الدولة نفسها.
لكن السؤال الجوهري يفرض نفسه اليوم: هل يستطيع الخنبشي تحويل خبراته النظرية ومهاراته الإدارية إلى حلول عملية تعالج التعقيدات المتشابكة في حضرموت؟ وهل يملك القدرة على استعادة مؤسسات الدولة وبناء شراكات محلية عادلة تُعيد سلطة القرار إلى المواطن لا إلى المكوّنات القبلية والنفوذ الإقليمي؟ التحديات أمامه ضخمة؛ فالتدخلات الخارجية النافذة، وتشابك المصالح المحلية، وامتلاك بعض المجموعات لسلاح يفوق ما لدى مؤسسات الدولة، كلها عوامل قد تعرقل أي محاولة إصلاحية مهما كانت النوايا صادقة. كما أن الوضع الاقتصادي والخدماتي المتدهور يجعل أي خطوة تصحيحية محفوفة بغضب شعبي إذا لم تلمس حياة المواطن مباشرة.
ورغم ذلك، فإن أمام الخنبشي فرصة تاريخية إن أحسن استثمارها. فالمحافظة متعبة من الصراعات، والمواطن يريد حلولًا لا شعارات، والحكومة بحاجة إلى نموذج تعود من خلاله إلى الفعل والفاعلية. النجاح لن ينتظر الخطابات، بل سيُقاس بقدرته على تهدئة الساحة، إعادة ترتيب الأمن في إطار مؤسسي، إعادة الخدمات الأساسية، فتح قنوات تواصل مع القوى المحلية، وبناء جسور ثقة حقيقية مع الشارع. إن تمكن من إنتاج “انتصارات صغيرة” سريعة وملموسة، فقد يتحول هذا التعيين من مجرد قرار رئاسي إلى نقطة تحول تاريخية في مسار حضرموت، أما إذا اكتفت السلطة بإدارة الأزمة بدل حلّها، فستستمر المحافظة في الانزلاق إلى مزيد من التفكك والاحتراب والتدخلات.
حضرموت اليوم أمام مفترق طرق حاسم. والخنبشي، بخبرته ومسؤوليته، قد يكون الرجل القادر على فتح نافذة أمل جديدة. غير أن نجاحه مرهون بقدرته على صناعة التوافق لا إدارة التنافس، وبقدر ما سيستطيع أن يعيد الاعتبار للدولة بوصفها مظلة جامعة لا طرفًا في صراع. فهل يكون هذا التعيين بداية عودة الدولة إلى حضرموت؟ أم يصبح حلقة جديدة في سلسلة الانتظار الطويل؟ الزمن وحده سيجيب، لكن المؤكد أن حضرموت لم تعد تحتمل المزيد من الضياع.
*`المقالات التي يتم نشرها لاتعبر الا عن راي الكاتب فقط ولا تعبر بالضرورة عن سياسة الموقع`*






