صناعة الأمل من رحم المعاناة : قراءة في تجربة الدكتور علي سالمين بادعام الهميمي بين الإمارات واليمن عبر بوابة حضرموت
بقلم / أ. محمد سالم بن علي جابر
الخميس 27 نوفمبر 2025
رئيس مركز حضرموت للدراسات التاريخية والتوثيق والنشر
في زمنٍ أثقلته التحولات القاسية، وتراجعت فيه المبادرات حتى كاد الأمل ينطفئ في نفوس الناس، تبرز تجارب فردية تعيد تشكيل الوعي وتُثبت أن الإرادة الصادقة قادرة على فتح مسارات جديدة مهما اشتدت العوائق، ومن بين هذه التجارب اللافتة تبرز تجربة الهميمي، التي يمكن اعتبارها نموذجًا ناضجًا لصناعة الأمل من رحم المعاناة، وتحويله إلى مشروع مؤسسي يمتد أثره من حضرموت إلى اليمن، ومن اليمن إلى العالم.
لقد وُلد الدكتور علي وترعرع في دولة الإمارات العربية المتحدة، وهناك تلقّى تعليمه القيمي الأول داخل بيئة مؤسسية راسخة، تقوم على النظام والعمل الجماعي وروح التطوع، وفي هذه البيئة المُلهمة تشكّل وعيه المبكر بالقيم الحضارية التي تنهض بها الأمم، وحين فاز بـ جائزة الشارقة للعمل التطوعي عام 2013، لم تكن الجائزة مجرد شهادة تكريم، بل كانت نقطة تحول رسّخت يقينًا داخله بأن التطوع ليس نشاطًا ثانويًا، بل ركيزة من ركائز التنمية الحديثة، وأداة فعّالة لإحياء المجتمعات.
ومن هنا نشأت لديه رغبة راسخة في نقل التجربة التي تربّى عليها في الإمارات إلى بلاده اليمن، وبعد عقدٍ كامل من النضج والاختبار (2013–2023)، قرر أن يبدأ مشروعًا مؤسسيًا من حضرموت؛ الأرض التي تحمل إرثًا عريقًا في عالم الصقارة، إذ تشير المصادر إلى أن الحارث الكندي – الملك الحضرمي – هو أول من روّض الصقور في الجزيرة العربية.
وفي ديسمبر 2023، أعلن عن تأسيس وإشهار الجمعية اليمنية لرياضات وسباقات الصقور (YFSRA)، لتكون أول جمعية يمنية رسمية، وأول كيان متخصص في هذه الرياضة، ينقل الصقارة من ممارسة فردية مشتتة إلى عمل مؤسسي منظم، وفي بلدٍ يعاني هشاشة البنية المؤسسية وضعف الإمكانات وتحديات اقتصادية خانقة، بدا هذا المشروع مغامرة جريئة لا يخوضها إلا من يمتلك إيمانًا عميقًا برسالته.
وفي السنة الأولى من عمر الجمعية، عمل الدكتور علي بلا توقف على بناء الهيكل التنظيمي وترسيخ الوجود الميداني، فأطلق أول فعالية رسمية لليوم العالمي للصقور في تريم عام 2024، مستعيدًا “الحارث” إلى الواجهة كرمز حضرمي عربي أصيل.
أما السنة الثانية، فقد كانت سنة التحول الحاسم؛ ففيها لم تتوسع دائرة العمل فقط، بل نجح الدكتور علي في استقطاب رعاة وشخصيات اجتماعية واقتصادية آمنت بالمشروع وساهمت في نهضته، ما مكّن الجمعية من تنظيم فعالية “الحارث 2025” في مدينة المكلا بصورة راقية، حشدت المجتمع، وعمّقت حضور الجمعية، وأظهرت مستوى تنظيم يليق بحضرموت واليمن.
وفي سياق هذا الامتداد الثقافي، رسّخت الجمعية حضورها الرمزي من خلال اعتماد تقليد سنوي لاختيار شخصية عربية بارزة من رموز الجزيرة العربية المهتمين بالتراث والصقارة، وقد وقع الاختيار في فعالية الحارث 2025 على الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود «صقر الجزيرة»، تقديرًا لإسهامه التاريخي في ترسيخ هوية الصقارة العربية وتعزيز حضورها، وفي العام الذي يليه، ومع الإعلان المبكر عن شخصية الحارث لعام 2026، وقع الاختيار على الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان «صقّار العرب»، لما يمثّله من قيمة إنسانية وتراثية في رعاية البيئة وحماية الطيور الجارحة وإحياء الموروث العربي، وبهذا الاختيار السنوي المتتابع، أكدت الجمعية أن مشروع الحارث ليس فعالية محلية، بل حركة عربية واسعة تربط حضرموت بعمقها التاريخي والجغرافي والثقافي في الجزيرة العربية، وتُبرز الصقارة بوصفها إرثًا مشتركًا يجتمع عنده أبناء المنطقة.
كما أطلقت الجمعية المسابقة الرمضانية الثقافية التي حققت انتشارًا واسعًا داخل اليمن، وأسهمت في تعريف الجمهور بثقافة الصقارة وأخلاقياتها، وتزامن ذلك مع تنظيم أول مزاد وطني للصقور في تاريخ اليمن عام 2025، وهو حدث غير مسبوق مثّل نقلة نوعية في تنظيم هذا المجال، وفتح آفاقًا اقتصادية وأخلاقية جديدة لهذه الرياضة.
وبين الدعم المجتمعي والرعاية المؤسسية، بدأت حضرموت — بواديها وساحلها وهضبتها — تتحول إلى مركز متقدّم لهذا الحراك الثقافي والرياضي، وسرعان ما امتدت الفكرة إلى محافظة شبوة ومحافظات يمنية أخرى، في مسار واضح يشير إلى أن المشروع يسير بثبات نحو أن يتحول إلى مشروع وطني شامل يعيد الاعتبار لتراثٍ عربي عريق.
وتوّجت الجمعية هذا المسار بتحقيق إنجازات تاريخية، من أبرزها حصول اليمن — لأول مرة — على عضوية:
• الاتحاد الدولي لرياضات وسباقات الصقور (IFFSR) كعضو رياضي كامل،
• الاتحاد العالمي للصقارة (IAF) كعضو مراقب،
إضافة إلى أول مشاركة يمنية رسمية في كأس الاتحاد الدولي – دبي.
إن هذه التجربة — الممتدة من الإمارات إلى حضرموت، ومن حضرموت إلى اليمن — تُظهر بجلاء كيف يمكن لفكرة صادقة أن تتحول إلى حركة مؤثرة حين تتوفر الإرادة والرؤية والدعم، وقد أثبت الدكتور علي سالمين بادعام الهميمي أن صناعة الأمل ليست ترفًا ولا شعارًا، بل مشروع حياة يبدأ بالإيمان بالمجتمع، ويكبر بالعمل الجاد، وينتهي بصناعة أثر يعيد الثقة في قدرة اليمنيين على النهوض من جديد.
ولعل الدرس الأهم الذي تقدّمه هذه التجربة أن الأمم تُبنى بجهود أفراد يحملون روح المبادرة، ويحوّلون تجاربهم إلى مشاريع حيّة، وهذا ما فعله الدكتور علي؛ فقد حمل تجربة إماراتية راسخة، وغرسها في أرض حضرموت، فأنبتت مشروعًا وطنيًا يحمل ملامح المستقبل، ويعيد رسم طريق الأمل الذي طال غيابه عن اليمن.






