منتدى مستقبل حضرموت…من الفكرة إلى المسار وصناعة المآلات .
بقلم / م . لطفي بن سعدون الصيعري.
21 نوفمبر 2025
في لحظة فارقة من تاريخ حضرموت، حيث تتزاحم الأزمات بالفرص، وتتشكل موازين جديدة في المشهد اليمني والإقليمي والدولي ، برز “منتدى مستقبل حضرموت” بوصفه خطوة حضرمية نوعية تنزع نحو التأطير الفكري ، وترتيب الأولويات وصياغة المستقبل بمنهج علمي ورؤية استراتيجية.
لم يأتِ المنتدى كمكوّن سياسي أو كيان تنافسي ضمن الخارطة المحلية، بل كـفضاءا نخبوياً توافقياً يضم العشرات من الأكاديميين والخبراء والمفكرين والسياسيين من مختلف ألوان الطيف الحضرمي، في الداخل والمهجر، ليمثل جسراً بين العقل العلمي والتطبيق العملي، وبين الرؤية الحضارية والاحتياجات الواقعية.
هذا المنتدى — كما تعكس وثائقه التأسيسية — هو محاولة جادة لإعادة تموضع حضرموت كفاعل مركزي لا كمتلقي تابع ، وكصاحبة مشروع لا مجرد جزء مكمّل اوملحق في مشاريع الآخرين. لقد قُدِّم ليكون منصة تُعيد تعريف الهوية والقرار والسيادة والشراكة، وترفع مستوى الوعي الجمعي لاستعادة “المكانة الطبيعية” لحضرموت في محيطها اليمني والإقليمي والدولي.
ولتقريب وتوضيح الفكرة للقارئ الكريم (نخبا وصناع قرار وجماهير عريضة )حول المنتدى ، فإننا سنتناول ماهية هذا المنتدى على النحو التالي :
أولاً: خلفيات التأسيس… لماذا الآن؟
1. لحظة حضرمية تبحث عن إطار جامع ،حيث تعيش حضرموت منذ سنوات فراغاً في الرؤية وتشتتاً في مراكز القرار وتبايناً في التصورات السياسية بين القوى المحلية. هذا دفع إلى البحث عن إطار غير سياسي، غير صدامي، غير فئوي، يستوعب التعدد ويجمع النخب حول أرضية فكرية توافقية مشتركة.
2. الحاجة إلى مرجعية فكرية مستقلة ،فعلى مدى عقود، ظلّ القرار الحضرمي — السياسي والاقتصادي — مرهوناً بعوامل خارجية. فجاء المنتدى ليؤسس مرجعية فكرية نابعة من الداخل الحضرمي، قادرة على صياغة سياسات واقعية، وتقديم دراسات وتصورات يمكن تحويلها إلى برامج ضغط وتوجيه مستقبلي.
3. صعود الوعي الحضرمي المتعلق بالهوية والقرار ، فالسنوات الأخيرة شهدت تنامياً في الحديث عن الهوية الحضرمية، السيادة، تقرير المصير، الشراكة العادلة، والحوكمة. والمنتدى جاء ليمنح هذه الأفكار منهجية وإطاراً معرفياً بدلاً من بقائها شعارات مبعثرة.
4. مكانة حضرموت المؤثرة في معادلات الداخل والمهجر ،
حيث أن المنتدى يدرك وزن حضرموت ككيان يمتد من الداخل إلى الجاليات المنتشرة في شرق آسيا وإفريقيا والخليج، ما يجعلها “أمة عالمية” قادرة على تكوين شبكة تأثير ومصالح.
ثانياً: رؤية المنتدى… سيادة، حكم رشيد، وانفتاح حضاري .
فالرؤية التي تبناها المنتدى جاءت متقدمة ومتسقة مع اتجاهات العصر، ويمكن تلخيصها بثلاث ركائز كبرى:
1. سيادة حضرمية رشيدة .
ليست السيادة هنا شعاراً، بل منظومة متكاملة تشمل إدارة الموارد، القرار المحلي، المؤسسات، والعقد الاجتماعي، بما يلائم خصوصية حضرموت وتطلعات أهلها.
2. حضرموت كمنصة حكم رشيد.
الرؤية تنطلق من إيمان بأن مستقبل أي مجتمع يبدأ من:
الحوكمة
الشفافية
الكفاءة المؤسسية
استقلال القرار ،
وهذه العناصر تُعد حجر الزاوية لأي مشروع حضرمي مستقبلي.
3. الانفتاح على العالم.
حضرموت ليست متقوقعة على ذاتها؛ إرثها البحري والبري والمهجري والإنساني ، يدفعها نحو علاقات دولية متوازنة، قائمة على المصالح والشراكات لا التبعية.
ثالثاً: الأهداف… من الفكرة إلى الفعل .
فوثيقة الأهداف تبرز سِمَة نادرة: الانتقال من المفهوم السياسي التقليدي إلى مشروع حضاري متكامل. ومن أبرز أهداف المنتدى:
1. الدفاع عن حق حضرموت في السيادة والقرار
وجعله أساس أي ترتيب سياسي قادم.
2. تمكين المؤسسات الحضرمية
بالإدارة والتخطيط والمالية والاقتصاد، بعيداً عن المركزية المعيقة.
3. ترسيخ منظومات الحوكمة والشفافية
لتقوية المؤسسات المحلية وجعلها قادرة على إدارة موارد ضخمة كالموانئ، النفط، المعادن، الثروة السمكية، والزراعة.
4. بناء القدرات المؤسسية والقيادية
من خلال إعداد كفاءات محلية قادرة على إدارة المرحلة القادمة.
5. تعزيز الهوية الحضرمية الجامعة
كإطار ثقافي تاريخي جغرافي وإنساني يتجاوز الولاءات الضيقة.
6. دعم المجتمع المدني والشباب والمرأة .
للارتقاء بالدور المجتمعي في التنمية وصناعة القرار.
7. تقوية روابط المهجر
باعتباره امتداداً حيوياً لا غنى عنه في البناء الفكري والاقتصادي والدبلوماسي.
8. بناء علاقات دولية متوازنة
تستثمر موقع حضرموت ومواردها في صناعة شراكات استراتيجية.
رابعاً: آليات العمل… المؤسسية أولاً
من أقوى نقاط الوثيقة إعلان المنتدى إنشاء:
“مؤشرات الأداء الحضرمية (HPI)”
وهي خطوة رائدة تهدف إلى بناء إطار تقييم حضرمي خاص، مستمد من:
القيم الحضرمية
الواقع الاقتصادي
المعايير الدولية ،
ما يجعل المنتدى أقرب إلى مركز أبحاث سياسي-اقتصادي مؤثر على الواقع و قادر على إنتاج المعرفة وتوجيه القرار.
خامساً: فلسفة الشعار… الهوية تُترجم إلى رؤية.
فلسفة الشعار ليست مجرد زخرفة.
إنها تكثيف بصري لفكر المنتدى، تُلخّص في عناصرها:
الأعمدة الخمسة: الهوية، السيادة، تقرير المصير، الحوكمة، المهجر.
النافذة الحمراء: الحرية والجرأة والكرامة المستحقة.
الأخضر والأزرق: الأرض والبحر… الجذور والأفق.
الخطوط الصاعدة: الارتقاء الحضرمي المستند إلى التراث والأرض والعمارة التاريخية.
الحِمث ( الأساس الصلب المتين ) : ثبات القاعدة قبل صعود البنيان.
شعار لا يقول فقط كيف نبدو… بل إلى أين نتجه.
سادساً: المآلات المتوقعة… تأثير المنتدى داخلياً وإقليمياً ودولياً
1. التأثير داخل حضرموت.
من المتوقع أن يصبح المنتدى:
●مرجعاً فكرياً للقوى السياسية
●منصة للتوافق وتخفيف الاستقطاب
●حاضنة لإنتاج رؤى وسياسات بديلة
●صوتاً مؤثراً في ملف السيادة وتقرير المستقبل السياسي
بل قد يتحول إلى مركز توجيه للرأي العام النخبوي وصناعة الوعي بحضرموت الجديدة.
2. التأثير على المحيط اليمني
المنتدى قد يفرض معادلة جديدة:
حضرموت ليست تابعة، بل صاحبة مشروع ورؤية ومسار مستقل.
وهذا سيغيّر من تموضع المحافظات الأخرى ومن هندسة أي تسوية قادمة.
3. التأثير الإقليمي
●حضرموت منطقة نفطية ومعدنية وبحرية ومينائية ذات أهمية استراتيجية.
●وجود منصة فكرية متماسكة سيجعل القوى الإقليمية:
تنظر لحضرموت ككيان ناضج
تتعامل معها بعقلانية واحترام
تبني علاقات ثنائية معها مستقبلاً
4. التأثير الدولي
بفضل المهجر الحضرمي الممتد عبر العالم، سيصبح المنتدى جسراً:
للتمثيل الدبلوماسي غير الرسمي
●لجذب الاستثمارات
●لطرح القضية الحضرمية في المحافل الدولية
●ولإبراز حضرموت كأمة عالمية ذات حضور ثقافي واقتصادي.
وختاما فإن منتدى مستقبل حضرموت ليس مجرد فعالية عابرة.
إنه — كما يبدو من وثائقه وخلفيات تأسيسه — محاولة لتأسيس مدرسة فكرية حضرمية تجمع بين الأصالة والعلم، وبين الهوية والانفتاح، وبين الوعي والسيادة. وبين الفكر والتطبيق .
وإذا استطاع المنتدى أن يحافظ على:
استقلاليته
نخبويته
رؤيته طويلة المدى
وابتعاده عن الاستقطابات السياسية،
فإنه مرشح ليكون أهم منصة فكرية حضرمية في القرن الحادي والعشرين، وقادراً على أن يقدّم لحضرموت ما تحتاجه في هذه اللحظة التاريخية:
البوصلة، والرؤية، والطريق القويم للتطبيق على الواقع الحضرمي.






