اعلانك معنا تحقيق اهدافك التجارية وزيادة مبيعاتك
ابحث في الموقع
تاربة اليوم - الموقع الإخباري اليمني

هل نحن بحاجةٍ إلى غزلِ السياسيين ورجالِ الدين في هذه الأيام؟

هل نحن بحاجةٍ إلى غزلِ السياسيين ورجالِ الدين في هذه الأيام؟

( #تاربة_اليوم ) / كتابات وآراء
كتب : انس علي باحنان
17 نوفمبر 2025

هذا سؤالٌ لافتٌ، وقَفْشَةٌ ذاتُ معنى، وعنوانٌ عريضٌ – بل حكمةٌ – أثارها أخونا وأستاذُنا الفاضل، الأكاديمي البارز، الدكتور مسعود عمشوش، تعقيبًا على زيارةٍ قام بها الأستاذ محسن باصرة نائب رئيس مجلس النواب للشيخ علي بن سالم بكير، وأخرى للمحافظ لسيّد عمر بن محمد بن حفيظ. وقد التقطتُ هذا التساؤل، فرأيتُه مناسبًا للحديث عن قضيةٍ عامةٍ طالما شغلت واقعنا: علاقة رجل الدين بالسياسة، وعلاقة السياسي بأمور الشرع والدعوة.

نعم… لم يكن دينُنا في يومٍ من الأيام يَفصل بين السياسي وبين رجل الدين؛ فمحمدٌ صلى الله عليه وسلم كان نبيًّا مُرسَلًا ومُبلِّغًا عن ربِّ العالمين، يُبيّن أحكام الشرع من عقائدَ وعباداتٍ ومعاملاتٍ وقيمٍ وأخلاق واداب، وفي الوقت نفسه كان قائدَ دولةٍ راشدة لها أنظمتها السياسية والاقتصادية والقانونية، ولها علاقاتها الخارجية والداخلية المنضبطة بضوابط الشرع الحنيف، تحفظ حقوق المسلم وغير المسلم، على قاعدة قوله تعالى: «لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ»، وقاعدة: «لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ الاية».

وهكذا سار أئمةُ الدين من الصحابة والتابعين ومن بعدهم، فلم تكن السياسة عندهم يومًا منفصلةً عن الدين، ولا الدينُ بمعزلٍ عن شؤون الدولة. حتى في عصورنا المتأخرة كان من القادة من جمع بين الحكم والفقه والقضاء، كالسلطانين العادلين: طالب الحق بن يحيى الكندي و الإمام عبدالله بن راشد الكندي، فقد كانا يحكمان بشرع الله، ويسوسان الناس بعلمٍ وحكمة.

أمّا اليوم، فقد انقطعت العُروة الوثقى بين المؤسسة الدينية والقيادة السياسية؛ فلدينا سياسيٌّ لا يفقه من أمور الشرع إلا ما كان معلومًا من الدين بالضرورة، ولدينا عالمٌ أو داعيةٌ أو قاضٍ يَعُدُّ مجرد الإدلاء برأيٍ سياسي خروجًا عن الدين أو مروقًا من السلوك القويم! وفي المقابل، فإن السياسيّ إذا تجرّأ فأبدى رأيًا في مسألةٍ دينيةٍ دقيقة نُعِتَ بما ليس فيه!

إن واقعنا الحضرمي – بل واقع أوطاننا عامة – يحتاج إلى مراجعة جادة لهذه القاعدة الدخيلة التي فصلت الدين عن الدولة، وكأننا نعيش تكرارًا لحقبة الكنيسة في أوروبا المظلمة! فعندنا ساسةٌ لا يفقهون مقاصد الشريعة، وعندنا مشايخ يرون السياسة بدعةً من القول، وما هكذا تُبنى الأوطان، ولا هكذا تُصان الحقوق.

اليوم، لا بدَّ للعلماء والمشايخ من أن يقولوا كلمتَهم في ما يدور من غيابٍ لسلطة الدولة، واضطرابٍ للنظام، وانعدامٍ للعدالة، وتصاعدٍ لمظاهر الظلم والجور. كما لا بدَّ لحكّامنا وساستنا من معرفة أحكام الشريعة ليُنزّلوا مقاصدها على واقع الدولة وإدارة شؤون البلاد والعباد؛ فـ «إن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن» كما جاء عن سيد ولد عدنان صلى الله عليه وسلم.

فهل نرى في قابل الأيام التحام حملة القرآن والفقه والدين مع أهل السياسة والإدارة، ولكن لا على قاعدة: «شِلّني وباشلّك» أو «اسكتْ عني واسكتْ عنك»، بل على قاعدة: النصيحة المتبادلة، والمصارحة بالحق، والقيام بالأمانة التي حمّلها الله للعالِم والأمير؟

فهما – الحاكم والعالِم – فئتان إذا صَلُحَتا صَلُحَ أمرُ الرعية، وإذا فسَدتا فسَد حال المجتمع، وضلّ الناس في متاهاتٍ لا أول لها ولا آخر. وسيكون حساب الحاكم والعالِم عند الله عظيمًا فيما فرّطا فيه من الأمانة، وضياع الحقوق، والتقصير في حفظ دماء الناس وأموالهم وأعراضهم وكرامتهم.

واللهُ الهادي إلى سواء السبيل، وإلى الصراط المستقيم.

المقالات التي يتم نشرها لاتعبر الا عن راي الكاتب فقط ولا تعبر بالضرورة عن سياسة الموقع

إغلاق