اعلانك معنا تحقيق اهدافك التجارية وزيادة مبيعاتك
ابحث في الموقع
تاربة اليوم - الموقع الإخباري اليمني

الكبرياء والخلق: تأملات في زمن الغرور

الكبرياء والخلق: تأملات في زمن الغرور

بقلم / فهمي الذييبي
الاحد 9 نوفمبر 2025

“ما رفع الله عبدًا بالتواضع إلا زاده عزًّا، وما وضع أحد نفسه بالكبر إلا زاده الله ذلًّا.”
في زمنٍ يطغى فيه التفاخر والتعالي، يظن بعض الناس أنفسهم فوق الآخرين، كأنهم يحملون تيجانًا خفية على رؤوسهم، ينظرون إلى من حولهم بعين الاحتقار والغرور. غير أن ميزان التفاضل الحقيقي لا يُقاس بالمال أو المنصب أو الجاه، بل بالأخلاق الرفيعة والصدق والمحبة والأمانة. لقد علمنا ديننا الحنيف ورسولنا الكريم ﷺ أن العظمة الحقيقية تُقاس بصفاء القلب ونقاء السريرة والاحترام المتبادل، لا بالمظاهر الخادعة. ومع ذلك، يعيش البعض في وهمٍ عظيم، تختلط فيه الحقيقة بالباطل، ويستبد بهم كبرياء ممزوج بالجهل، حتى يظنّون أن العظمة في ما يملكون، لا في ما يكونون عليه من خُلقٍ وسلوك. وما يبدونه من فخرٍ وعظمةٍ ليس سوى فراغٍ داخليٍّ وظلامٍ أخلاقيٍّ مستتر خلف قناع الزهو الزائف.
وعندما نتأمل حقيقة الإنسان، نتساءل: هل نسي من خلقه؟ أم ظن أن له يدًا في وجوده أو اختيار جنسه أو لونه أو شكله الجميل أو القبيح؟ كل هذه النعم ليست من صنعه، بل هي هبة من الخالق سبحانه، تذكّره بوجوب التواضع لا التعالي، وبأن الفضل كله لله لا للعبد. فالعاقل من يرى النعمة في موضع الشكر، لا في موضع الكبر.
ويظن من يتصف بهذه الصفات من الكبر والغرور أنه يعيش واقعًا حقيقيًا يليق بعظمته المزعومة، بينما هو في الحقيقة غارق في وهمٍ يُرضي به نفسه غير السويّة، المخالفة للفطرة السليمة التي فطر الله الناس عليها. يمضي عمره في هذا الزيف معتقدًا أنه في قمّة المجد، وهو في الحقيقة يبتعد عن جوهر الإنسانية والنقاء. والأدهى من ذلك أن هذا الوهم لا يقف عنده فقط، بل قد يُورّثه لمن يأتي بعده من ذريته، فينقل إليهم عدوى الكبر والتعالي، فيتحمل بذلك وزر نفسه ووزر غيره ممن تأثروا بفعله وسيرته، كما قال تعالى: “وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِهِمْ”.
وعواقب الكبر واضحة لمن تأملها؛ إذ تفقد الروح نورها، ويضيع احترام الناس، وتصبح القلوب مثقلة بالغرور والعداوة، حتى ينالها الهلاك الروحي والمصير المجهول. فالغرور لا يرفع صاحبه، بل يسقطه من أعين الخلق والخالق معًا، ويجعل منه عبرةً لمن يعتبر. وفي النهاية، يظل التواضع درعًا يحمي الإنسان من السقوط في هوّة الغرور، وينير له الطريق في عالمٍ يختلط فيه الصدق بالزيف، والحق بالباطل. يذكّره دائمًا بأن ما هو فيه من نعمٍ وأفضالٍ ليست ملكًا له، بل أمانة وابتلاء، فإما أن يشكر فيُرفع، أو يتكبّر فيُهان.
نسأل الله أن يطهّر قلوبنا من الغرور، ويغمرنا برحمته، وينزع منا الكبر والعجب، ويردّنا إلى التواضع والمحبة والصدق، فالقيم النبيلة هي المقياس الحقيقي للعظمة الإنسانية. إن التواضع لا يُنقص من قدر الإنسان، بل يرفعه في أعين الخلق، ويقرّبه من خالقه، أما الكبر، فهو حجاب كثيف يحجب البصيرة ويعمي القلب عن رؤية الحق. كم من متواضعٍ رفعه الله، وكم من متكبّرٍ أهانه الله في لحظة. فالعظمة الحقيقية ليست في المظهر ولا في كثرة الألقاب، بل في نقاء القلب وصفاء النية، وفي كلمة طيبة وخلق حسن يورثان أثراً لا يُمحى. فلنجعل من التواضع منهج حياة، ومن الأخلاق زاد طريقنا، لعلنا نكون ممن يُقال عنهم يوم القيامة: “سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار.”

إغلاق