نحو رؤية حضرمية مستقلة في ظل التحولات اليمنية والإقليمية
( #تاربة_اليوم ) / كتابات وآراء
كتب : انس علي باحنان
21 اكتوبر 2025
أعلمُ أنّ هذا العنوان عريضٌ لا يُحسم في عمودٍ صحفيٍّ أو مقالةٍ عابرة، بل يحتاج إلى دراساتٍ معمّقةٍ، وبحوثٍ رصينةٍ، وورش عملٍ وندواتٍ فكريةٍ تُسهم في رسم معالم مستقبلٍ سياسيٍّ مشرقٍ ومشرّفٍ لحضرموت، يليق بمكانتها الحضارية وتطلّعات أبنائها. ومع ذلك، لا ضير أن نجتهد هنا في رسم الخطوط العريضة لذلك المستقبل، ولكلِّ مجتهدٍ نصيب.
حضرموت، منذ نشأتها التاريخية، لم تكن يوماً بمعزلٍ عن محيطها اليمنيّ أو الإقليميّ في تقرير مصيرها السياسي؛ فمجرد إطلالةٍ عابرةٍ على التاريخ ومجريات الأحداث تؤكد لنا، بما لا يدع مجالاً للشك، أنّ حضرموت كانت ولا تزال رقماً صعباً في معادلة السياسة والجغرافيا. غير أنّ هذه الجدلية والعلاقة ازدادت تعقيداً وتشابكاً بعد عام 1967م، تلك المرحلة التي يصعب على الباحث أن يتناول مستقبل حضرموت السياسي دون نظرةٍ فاحصةٍ ثاقبةٍ إليها، إذ أصبحت بموجبها حضرموت أولاً محافظةً خامسة ضمن ما كان يُعرف بجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، ثم محافظةً ضمن الجمهورية اليمنية بعد ما سُمِّي بالوحدة اليمنية عام 1990م.
إنها تركةٌ ثقيلةٌ، وحقبةٌ معقّدة، ألقت بظلالها على حاضر حضرموت ومستقبلها، وكبّلتها بقيودٍ وأغلالٍ سياسيةٍ واقتصاديةٍ لا تزال تعاني منها حتى اليوم. ومع تحقيق الوحدة عام 1990م، انتهت تلك الشرعية المزعومة القائلة إنّ حضرموت جزءٌ من الجنوب، وتحرّرنا من تلك العقدة بعد أن أصبح الجنوب ذاته وحضرموت جزءاً من كيانٍ سياسيٍّ واحدٍ هو الجمهورية اليمنية.
أما ما يُسمّى بـ«المجلس الانتقالي» ومحاولات إعادة دولة الجنوب، فليست سوى أحلامٍ تُداعب العواطف وتُغذّي النزعات المناطقية، دون منطقٍ سياسيٍّ أو سندٍ تاريخيٍّ أو شرعيٍّ أو قانونيٍّ يبرّرها. فحضرموت، التي أُلحقت قسراً بدولة الجنوب عام 1967م، قد طوت تلك الصفحة من تاريخها. لا المنطق، ولا التاريخ، ولا الشرع، ولا القوانين الدولية والإقليمية تقرّ بأنّ حضرموت جزءٌ من الجنوب. ومن هنا، ينبغي أن نُعلنها بوضوحٍ: إنّ مستقبل حضرموت السياسي لا يُرتهن للطرح الجنوبي، ولا يرتبط به من قريبٍ أو بعيد.
وكما يطالب الجنوب بالانفكاك عن الشمال، فإنّ حضرموت اليوم — قبل الغد — تطالب بالانفكاك عن كليهما، وبأن تكون كياناً سياسياً مستقلاً بذاته، يرسم مستقبله بيده، ويُحدّد علاقاته الإقليمية والدولية وفق مصالحه الوطنية العليا.
أمّا علاقة حضرموت بالشمال، فتبقى محكومةً بواقعٍ قانونيٍّ وشرعيٍّ دوليٍّ، يقرّ بأنّ حضرموت لا تزال محافظةً ضمن الجمهورية اليمنية، شاءت ذلك أم أبت. ولا يمكن تجاوز هذه الحقيقة أو القفز عليها عند التفكير في تقرير المصير السياسي. لكنّ التعامل معها يجب أن يكون بحذرٍ وحنكةٍ سياسيةٍ راشدة، تُمكّن حضرموت من التفلّت من هذا القيد بأقل الخسائر.
إنّ المواثيق الدولية تقرّ مبدأ حق الشعوب في تقرير مصيرها السياسي، وحضرموت تنطبق عليها كلّ المعايير التي تُخوّلها لنيل هذا الاستحقاق التاريخي، لتتمكّن من رسم مستقبلها الحرّ والمستقلّ. ولن يتحقّق ذلك في ليلةٍ وضحاها، بل بخطواتٍ مدروسةٍ ومتدرّجةٍ، تبدأ أولاً بالمطالبة بحكمٍ مستقلٍّ يمنح حضرموت استقلالية القرار السياسي والإداري، ويكفل قيام مؤسساتها الحكومية والتنفيذية والتشريعية والرقابية والقضائية والعسكرية والأمنية المحلية المستقلة.
ثم بعد ذلك، تُحدَّد العلاقة الرمزية بينها وبين المركز اليمني، سواء أُطلق عليها حكمٌ فيدرالي، أو كنفدرالي، أو حكمٌ ذاتيٌّ أو إدارةٌ ذاتيةٌ. فالمسمّيات لا تعنينا بقدر ما تعنينا الغايات، والمقصود هو أن يكون هذا الاستحقاق مشفوعاً بحقّ تقرير المصير الكامل لحضرموت، لتسير بخطىً ثابتةٍ نحو مستقبلٍ يليق بتاريخها المجيد وحاضرها الواعد.
وهكذا نكون قد رسمنا ملامح مستقبل حضرموت السياسي بروحٍ وطنيةٍ صادقة، ورؤيةٍ واقعيةٍ شفافةٍ، ونيةٍ خالصةٍ لبناء كيانٍ سياسيٍّ حرٍّ ومستقلٍّ، يكون منارةً للأمن والاستقرار والازدهار في اليمن والمنطقة.
وربّك الهادي إلى أقوم سبيل.
*`المقالات التي يتم نشرها لاتعبر الا عن راي الكاتب فقط ولا تعبر بالضرورة عن سياسة الموقع`*






