وجع الوطن حين يغيب ضميره !!
بقلم / عبدالعزيز صالح بن حليمان
الخميس 16 اكتوبر 2025
في بلادٍ كان يُطلق عليها بالأمس العربية السعيدة شاء الله أن تتبدّل سعادتها وتغيب عنها البهجة فتتحول أرضها إلى رقعة من اللهب وتصير السماء رمادية والغبار يغطي الوجوه والمدن لم تعد تسمع فيها سوى هديرالمولدات وأزيز المسيّرات تشق الفضاء كغربان من حديد ونار.
في أزقّة تلك البلاد يسير شاب حافي القلب يحمل دفتراً مهترئاً يدوّن فيه وجع وطنه ويكتب بمرارة: الكل يبيعنا باسم الوطن… ويشترينا بثمن الجوع، فكان يرى في صمته ثورة وفي كلماته وطناً يبحث عن نفسه بين الركام.
وفي مشهد تتقاطع فيه المفارقات يجتمع مبعوث غريب بتلك الأقوام حول مائدة تتناثر عليها خرائط النفط والموانئ وكأنهم يقتسمون جثّةً لا وطناً فيتحدث قائد القصر من منفاه عن شرعية لم يعد لها من الشرعية سوى الاسم بينما ترفع مرجعية دينية ذات جذورٍ فارسية راية ما يسمّى بالحق الإلهي لتخفي بها أطماع السياسة تحت وشاح العقيدة.
وفي زاوية أخرى يبتسم اللواء العسكري لذلك الكيان القادم المسمّى “دولة” وهو يدرك في أعماقه أنه لا يرى فيه إلا عرشاً مؤجلا ينتظر موعده وفي الهضبة شيخ يلوذ بالصمت بين يديه سلاح ونفط ولا يسمح لأحد أن يشاركه ظلاله.
ظلّ المبعوث الغريب يراقبهم الجميع بعين باردة ثم قال ساخراً: أنتم مجرد قطع على رقعة الشطرنج نحرككم متى شئنا طالما أن الشعب صامت فستظلون عبيد اللعبة لا تنشدون أوطاناً ولا تكترثون لشعوبكم
عاد الكل إلى حيث أتى يوزّع الوعود والأموال ويشتري الولاءات بينما بقي الشاب على عهده يكتب من بين الرماد: “لسنا بحاجة إلى زعيم جديد بل إلى ضمير يفيق فالوطن لا يُبنى على البنادق بل على وجع الجياع وعرق الكادحين.”
انتشرت كلماته كالنار في الهشيم وأصبح حديث الناس حتى صار اسمه ممنوعاً في القنوات والمجالس.
طارده الجميع فهرب إلى الجبال وهناك وجد آخرين مثله لم يسأل أحدهم الآخر: من أين أنت؟ بل قالوا جميعاً بصوت واحد:
نحن من هذا الوطن.
ومن بين الصخور خرجت الشرارة الأولى وارتفعت راية واحدة كتب عليها بخط واضح وصادق:
“كفى شرذمة… آن للوطن أن ينهض.”






