بين اللامبالاة والشهامة: مشاهد من سيول حضرموت
( #تاربة_اليوم ) / كتابات وآراء
كتب : أنس علي باحنان
22 اغسطس 2025
إنّ من نعم الله علينا في هذا العصر ما نراه من التطوّر المذهل في وسائل الإعلام والاتصال وتقنية المعلومات، حتى صار الحدث يُنقل مباشرة بدقّة عالية، وصارت الهواتف الجوالة تؤدي دورًا محوريًّا في هذه المهمة.
ولأن الهاتف أصبح في متناول كل إنسان، غدا كل واحدٍ منّا صحفيًّا مستقلًّا وناقلًا للخبر، و يبثّ عبر هذه الوسائط الخير والشر، والغثّ والسمين، والمُثير للدهشة، والتافه المُقزّز.
وفي هذه الأيام التي تشهد فيها حضرموت، ومعها كثير من مناطق اليمن، أمطارًا غزيرةً وسيولًا جارفة، تهاطلت علينا المقاطع المصوّرة والصور المباشرة من هنا وهناك. غير أنّ اللافت منها في حضرموت كان مقطعَين على وجه الخصوص:
المقطع الأول لرجلٍ حاول الخروج من تيار السيل الجارف، فإذا بقدمه تتعثر ويسحبه الماء إلى العمق، فيما كان بالقرب منه نفرٌ من الناس لم يحرّكوا ساكنًا، ولم ينهضوا لإنقاذه أو بذل أي محاولة تُذكر! كأنّ الأمر لا يعنيهم، حتى غدا مصيره مجهولًا.
وأنا أشاهد هذا المشهد القاسي لم أكن أتصور أن بعض الناس قد يصل بهم الحال إلى هذه الدرجة من اللامبالاة وقسوة القلب، يرون نفسًا تُزهق أمام أعينهم، ولا تزلزلهم نخوة، ولا تهزّهم إنسانية. حتى خُيّل إليّ أن المشهد مُفبرك، لكنّه – في هذا الزمان الذي ضاعت فيه المروءة والقيم والأخلاق إلا من رحم الله – غير مستبعد.
وإذا كان هذا المقطع قد عكّر مزاج أصحاب الفطرة السليمة والقلوب النقيّة وأصحاب الضمائر الحيّة، فإنّ مقطعًا آخر جاء بعده مباشرةً ليزرع البهجة في النفوس، ويبعث في القلوب السكينة والسرور.
ذلك المقطع كان لإنسانٍ كريمٍ من أشقائنا العُمانيين، خاطر بنفسه وحياته لإنقاذ مواطنٍ حضرمي جرفته السيول وسط التيار العنيف. لقد كانت تضحيةً بكل ما للكلمة من معنى. ومن يعرف السباحة جيدًا يُدرك أن محاولة إنقاذ الغريق مغامرة قد تجرّ على المنقذ نفسه الهلاك، إذ قد يتمسّك به الغريق مسكة موت تؤدي إلى غرق الاثنين معًا، لا قدّر الله. ومع ذلك خاض الرجل العُماني هذه المهمة النبيلة، فجازاه الله خير الجزاء، ورحم الله والديه، وأثابه على هذا الصنيع العظيم.
ويكفيه وعد الله في كتابه العزيز:
﴿وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا﴾.
أيها الإخوة، مع تطوّر حياة الإنسان وتعدّد مشاغله وتطوّر فكره، يبقى واجبًا علينا ألّا ننسلخ من قيمنا وأخلاقنا وثوابت ديننا. ولنذكر أنّ هذه الحياة ظلّ زائل، وأنّ شرف الإنسان وقيمته في أخلاقه، وفي تمسّكه بمكارم المروءة. وإلّا صار شأنه شأن البهائم والأنعام التي لا تعقل ولا تشعر، وذلك منحدر خطير وانتكاسة على أمّ الرأس.
لقد كان الحضرمي – منذ القدم – لا تُقاس مكانته بين قومه إلّا بقدر شهامته ورجولته وخدمته لمجتمعه، وبذله للمعروف، وإبعاده عن قومه الشرور والمهالك. أمّا التافه الأناني المتجرّد من القيم الإنسانية، فلا مكان له بين القوم، ولا يستحق العيش في وسطهم.
اللهم احفظنا وذوينا وجميع المسلمين بحفظك و ألهمنا رشدنا، وثبّتنا على مكارم الأخلاق.
المقالات التي يتم نشرها لاتعبر الا عن راي الكاتب فقط ولا تعبر بالضرورة عن سياسة الموقع






