اعلانك معنا تحقيق اهدافك التجارية وزيادة مبيعاتك
ابحث في الموقع
تاربة اليوم - الموقع الإخباري اليمني

الاحتجاجات الغاضبة في حضرموت وأزمة الثقافة الشفوية..

الاحتجاجات الغاضبة في حضرموت وأزمة الثقافة الشفوية..

مقال لـ / م.احمد صالح الغلام العمودي
السبت 9 اغسطس 2025

حين تُكذِّب العين ما تَرى وتصدق الأذن ما تَسمع!
ليست الكارثة في أن تُفرض عليك سلطة، بل في أن تُقنعك هذه السلطة – بكلمات منمقة ووعود مخملية – أنك أنت صاحب القرار. هذا الخداع الناعم هو أخطر أشكال الهيمنة، لأنه يقتل في الناس حسّ التمييز بين القول والفعل، ويجعلهم أسرى ثقافة شفوية تمحو الحقائق الماثلة أمام أعينهم. وفي حضرموت، حيث تتنازعها القوى بين ساحل تحرر ووادٍ وصحراء يعيشان في ظل قبضة عسكرية شمالية، يتجلى هذا المشهد في أوضح صوره، حتى بات الفارق بين ما يُقال في المجالس وما يحدث على الأرض، كالفارق بين ليلٍ دامس ونهارٍ ساطع.

في العاشر من يوليو 2025، نشرتُ مقالًا بعنوان: “في ذكرى استشهاد القائد الاستثنائي صالح أبوبكر بن حسينون… قراءة في موقف ‘حياد’ المنطقة العسكرية الأولى وتموضع حضرموت كغنيمة” على منصة تاربة اليوم
https://www.tarebhtoday.online/2025/07/10/180400/ ،

وتحت عنوان فرعي: “حضرموت على مفترق طرق”، ورد فيه:

“إن خطر تشظّي حضرموت و«تشليحها» بات يلوح في الأفق؛ بين ساحل تحرّر من الهيمنة العسكرية الشمالية، فبنى قواه العسكرية والأمنية والإدارية من أبنائه، في ظل محاولات مستميتة لإفراغ هذا المنجز من مضمونه، وبين وادٍ وصحراء ما زال وضعهما رهن قبضة السيطرة الشمالية – عسكريًا وأمنيًا وإداريًا – وإن بدا أبناء المنطقة في الواجهة، فإن القرار الاستراتيجي سيُتَّخذ ويُفرض، حين تُوزَن الأمور بميزان الجدّ، في لحظات الحقيقة حين تتكشف الأقنعة، من قبل القوى المتحفزة المسيطرة على الأرض”.

على إثر ذلك، تلقيت عتابًا من أحد الإخوة الأفاضل الذين أجلّهم وأحترمهم، رغم اختلاف مواقفنا السياسية، إلا أن صلات الود والصداقة ظلت قائمة، وستبقى – بإذن الله. وصديقي هذا قريب من دوائر السلطة المحلية في الوادي. خلاصة عتابه أنّي جافيت الحقيقة حين قلت: “وبين وادٍ وصحراء لا يزال وضعهما رهن خطر السيطرة العسكرية الشمالية – عسكريًا وأمنيًا وإداريًا – وإن بدا أبناء المنطقة في الواجهة”. فقد قال لي: “نحن أبناء الوادي والصحراء من بيده القرار هنا”. لم أجادل كثيرًا، واكتفيت بجملة واحدة: “بيننا الأيام”. وانتقل الحديث في قضايا أخرى وذكريات قديمة.

واليوم، وبعد خروج أبناء حضرموت في مدن الوادي والساحل بمظاهرات احتجاجية على تردي الأوضاع المعيشية والخدمية، رأينا الفارق جليًا: في الساحل، تعاملت القوات العسكرية والأمنية مع المواطنين باحترام وانضباط مهني تُشكر عليه. في الوادي، كان المشهد مختلفًا؛ إذ كان التعامل الفضّ من قبل قوات المنطقة العسكرية الأولى، وانتهى الأمر بسقوط شاب قتيل، وجرحى، واعتقالات.

اتصلت حينها بصديقي أستوضح حقيقة ما جرى، وسألته: من أمر بإطلاق النار على المتظاهرين؟ أهي السلطة المحلية التي قلت إنها صاحبة القرار؟ أم قيادة المنطقة العسكرية الأولى؟ فجاء رده المقتضب: “لا تنكد عليّ”. واستأذنته بالسماح لي بالتعليق على هذه المفارقة، وكعادته وبحكم الصداقة لم يمتنع أن أكتب ما أريد.

إن التعامل العنيف مع المتظاهرين مرفوض أيًّا كان مصدره، ما دامت الاحتجاجات سلمية راقية تحافظ على الممتلكات العامة والخاصة.

ومن حق السلطات، في إطار القانون، اتخاذ ما يلزم تجاه أي مخالفات.

لكن جوهر المسألة، ولبّ هذا المقال، هو أزمتنا مع من يصدّق الكلام المعسول الذي يسمعه من المرسِل، ويكذّب ما تراه عيناه من حقائق فاقعة على الأرض… تلك هي مأساة الثقافة الشفوية التي لا تزال تضلّل العقول وتستغفل الوعي.

والله من وراء القصد وهو الموفق والمستعان ،،،

إغلاق