حضرموت بين مطرقة الهيمنة اليمنية وسندان التبعية الجنوبية
( #تاربة_اليوم ) / كتابات وآراء
كتب : م .لطفي بن سعدون الصيعري.
8 أغسطس 2025
في قلب المشهد السياسي والعسكري الراهن، تقف حضرموت على خط تماس حاد بين مشروعين متضادين ، يسعيان كليهما لتكريس تبعيتها: المشروع اليمني الممثل في أحزاب الشرعية التقليدية (المؤتمر الشعبي العام، التجمع اليمني للإصلاح)، والمشروع الجنوبي الذي يقوده المجلس الانتقالي بدعم إقليمي، وكلاهما يلتقي عند نقطة واحدة: إبقاء حضرموت في دائرة النفوذ والهيمنة، ومنعها من امتلاك قرارها المستقل.
هذا الصراع ليس وليد اللحظة، بل هو امتداد لتاريخ طويل من محاولات إخضاع حضرموت وتفكيك وحدتها القبلية والاجتماعية، وحرمانها من إدارة مواردها وخيراتها. اليوم، يتجسد هذا الصراع بوضوح في موقف حلف قبائل حضرموت، الممثل الحي للهوية القبلية والسياسية للحضارمة، والذي يقود جبهة الرفض ضد هذه المشاريع، متمسكًا بمطلب الحكم الذاتي ورفض التبعية لصنعاء وعدن على حد سواء.
ولتكريس الهيمنة على حضرموت،
تعمل الأحزاب اليمنية من جهة،
في إطار “الشرعية” على إعادة إنتاج مركزية صنعاء ولكن من مقراتها المؤقتة في مأرب وعدن، محافظة على أدواتها التقليدية في شراء الولاءات، وتحريك شبكة النفوذ العسكري والأمني عبر المنطقة العسكرية الأولى كذراع قمعي لفرض الأمر الواقع.
ومن جهة أخرى، يسعى المجلس الانتقالي الجنوبي، عبر أدواته الإعلامية والسياسية، لضم حضرموت قسرًا إلى مشروع “الجنوب العربي” وفق رؤيته الخاصة، رافضًا أي حديث عن استقلال القرار الحضرمي أو صيغة حكم ذاتي تعطي حضرموت ندية في أي تسوية قادمة. و يتراوح خطابه تجاه الحلف والقبائل المستقلة بين التخوين والشيطنة، متهِمًا المعارضين له بالارتباط بـ”الإخوان” أو “القاعدة”، في محاولة لتجريم الرأي الآخر وإقصائه من المجال العام.
ويتجلى ذلك في الهجوم المتكرر من قبل بعض رموز الانتقالي ، على قبيلة الحموم، واتهامها بالهيمنة على القرار الحضرمي، ويكشف ذلك عمق الأزمة الفكرية والسياسية التي يعانيها الخطاب الجنوبي المتشدد. فالحموم، تاريخيًا، كانت رأس الحربة في مقاومة الظلم، من مواجهة السلاطين وبريطانيا وصولًا إلى رفض أي هيمنة على حضرموت اليوم. وإن دورها النضالي، وتضحياتها الكثيرة، ومكانتها المرموقة بين قبائل حضرموت، يجعل من المستحيل القبول بمحاولات تهميشها أو النيل من إرثها.
إن استهداف الحموم اليوم ليس لكونها قبيلة كبيرة فحسب، بل لأنها من أكثر الكيانات تمسكًا بالهوية الحضرمية الأصيلة، والقرار المستقل، ورفض الانصهار في مشاريع خارجية لا تلبي طموحات الحضارمة.
و أحد أبرز أبعاد هذا الصراع يكمن في المعركة الفكرية والإعلامية والسياسية. فالحوار بين نشطاء الحلف والقوى الحضرمية المستقلة، وقوى الانتقالي أو الشرعية كثيرًا ما يتحول إلى ساحة ترهيب فكري، بدل أن يكون ساحة تبادل أفكار. حيث تُقاطع الأصوات المعارضة، وتُمنع من إكمال طرحها، بينما تُمنح المساحات مفتوحة لمن يردد الخطاب الرسمي للهيمنة. هذه البيئة المغلقة تفرغ الحوار من معناه، وتحوله إلى أداة لتكريس الاستقطاب لا تجاوزه. فقد كنا يوم أمس مشاركين في مساحة الاخ الشبواني ابو عمر بانافع ، بدعوة من الأستاذ عمر باسبعين . وحقيقة استفدنا كثيرا من هذا الحوار الذي شارك فيه الاعلامي الانتقالي البارز سعيد بكران وأغلبية من اعلاميي ونشطاء الانتقالي ، وكانت الحلقة بعنوان( حلف قبائل حضرموت وينه من اجرام المنطقة الأولى ) . حيث ادار الاستاذ ابوعمر النقاش بحكمة بالرغم من الضغط الهائل عليه من متشددي الانتقالي ومعارضتهم لنا وللاخ عمار بن هلابي بقوة في كل مانطرح ومقاطعتهم لنا فور تحدثنا ، بمسلمات منطقية معارضة لتوجهاتهم دون ان يدعونا نكمل اي فكرة ، اما لماتكلم رفيقهم بكران فقد كان الجميع منصت دون ان ينبس ببنت شفة . لقد بينت هذه النقاشات حجم الإنغلاق السياسي والفكري لناشطي الانتقالي ورفضهم حتى الاستماع والتحاور مع معارضيهم ، مع وجود بعض المتعقلبن فيهم ولا تحضرني اسماءهم.
للاسف كان المتشددين يمارسوا ترهيبا فكريا بعيدا عن أساليب الجدل المنطقي لتبادل الافكار وكانت عبارات التخوين والانتماء للاخوان والقاعدة سيدة موقفهم تجاه كل من بتكلم عن استقلال حضرموت ورفض التبعية لصنعاء وعدن ونديتها معهم ويشنون حملة ديماغوجية عليهم دون اية حقائق او منطق . اما الاستاذ بكران فبالرغم من بعض الملاحظات التي نتفق معه فيها خاصة مايتعلق بوحدة الحضارمة سلطة ومكونات على توافق الحد الادنى ، الا انه ظل يصول ويجول و يكرر كلامه ضد ما اسماه هيمنة الحموم على حضرموت ، وهذا تحسس خاطئ ينطلق من الخلاف الحالي بين عمرو والانتقالي ، لتمسك بن حبريش بمشروعية إستقلال القرار الحضرمي ورفض التبعية لصنعاء وعدن . فقبيلة الحموم على مر الناريخ كان لها دور كبير في رفض الظلم ومحاربته وكانت راس حربة كل قبائل وابناء حضرموت في مقارعة السلاطين وبريطانيا ولازالت على مواقفها حتى اليوم ، وتحظى بمكانة واحترام مرموق بين قبائل حضرموت وقدمت الكثير من الشهداء وخاصة بيت التقدمة بيت علي ، على مذبح الحرية والكرامة والعزة لحضرموت.
و رغم كل ذلك التشنج الإنتقالي ، فإن الحلف والنخب والكيانات الحضرمية المستقلة ، لا يغلقون باب الحوار مع أي طرف — يمنيًا كان أو جنوبيًا — بشرط واحد: هو قاعدة الندية و”لا ضرر ولا ضرار”. وإن أي علاقة أو شراكة لا تقوم على احترام استقلالية القرار الحضرمي وحقه في إدارة شؤونه وموارده، هي علاقة مرفوضة جملة وتفصيلًا.
ولقد باتت المعادلة الحضرميّة اليوم واضحة:
●على قاعدة حضرموت أولًا ، و الهوية والمصلحة الحضرميّة قبل أي ارتباط سياسي أو جغرافي.
●رفض التبعية ، فلا عودة لمركزية صنعاء، ولا انصهار في مشروع جنوبي على حساب حضرموت.
●الحكم الذاتي ، هي صيغة تضمن إدارة حضرموت لثرواتها وأمنها وحدودها بقرار من أبنائها.
وخلاصة القول فإن ، حضرموت تقف اليوم أمام منعطف تاريخي؛ إما أن تستسلم لمشاريع الهيمنة المزدوجة، أو أن يواصل الحلف و كل القبائل والمجتمع المدني الحضرمي طريقهم ، نحو انتزاع كامل الحقوق المشروعة. ولأن التاريخ علّمنا أن الحضارمة لا يفرطون بقرارهم، فإن صوت “حضرموت أولًا” سيبقى الأعلى، مهما اشتدت حملات التخوين، ومهما حاولت قوى النفوذ جرها إلى مربعات التبعية.
المقالات التي يتم نشرها لاتعبر الا عن راي الكاتب فقط ولا تعبر بالضرورة عن سياسة الموقع






