الريال اليمني يتعافى.. لكن هل نملك خطة للبقاء؟
( #تاربة_اليوم ) / كتابات وآراء
كتب : أنس علي باحنان
3 اغسطس 2025
إنّ ارتباط السياسة بالاقتصاد هو كارتباط الظلّ بالجسد، لا ينفصل أحدهما عن الآخر، بل يلازمه ويؤثّر فيه تأثّرًا مباشرًا. ونحن في وطننا نعاني من معضلتين جوهريتين: سياسية واقتصادية، تنبثق منهما بقية الأزمات والمشكلات المتفرعة. فحلّ المشكلة الاقتصادية هو مفتاح لحلّ الأزمة السياسية، ومن ثمّ انجلاء بقية التعقيدات التي أثقلت كاهل اليمن وحضرموت .
إنّ جوهر الأزمة الاقتصادية في بلادنا يتمثل في تدنّي قيمة العملة الوطنية، ويرجع ذلك إلى عدة أسباب متداخلة؛ من أبرزها: العجز المزمن في الميزان التجاري، والتضخم المفرط الناجم عن طباعة الريال اليمني بطريقة عشوائية، إضافةً إلى ضعف الإنتاجية، واستشراء الفساد، وغياب الاستقرار السياسي. وفي عالم الاقتصاد والمال، لا مكان للعشوائية والارتجال، بل تسير الأمور وفق ضوابط صارمة ومعايير دقيقة، يعلمها المتخصصون وذوو الشأن. وقد رأى الخبراء، في سياق معالجة تدهور العملة الوطنية كما في حالتنا اليمنية، أن ثمّة مسارين رئيسيين يمكن اتباعهما:
أولاً: التدخّل النقدي:
وذلك عبر ضخّ العملة الأجنبية لزيادة احتياطي البنك المركزي اليمني من النقد الصعب، وهو ما يُسهم في تعزيز قيمة الريال على المدى القصير.
ثانيًا: الإصلاحات الاقتصادية البنيوية: وهي مقاربة أكثر استدامة، تنطلق من رؤية مفادها أنّ العملة ليست هدفًا في ذاتها، بل مرآة تعكس قوة الاقتصاد من حيث الإنتاج، والتصدير، والتوازن المالي، والاستقرار العام.
ولعلّنا اليوم نلحظ، من خلال شواهد الواقع، أنّ المسار الأول هو ما تمّ اعتماده، حيث تمّ ضخّ العملات الأجنبية في خزينة البنك المركزي، مما أدى إلى تحسّن مفاجئ وسريع في قيمة الريال اليمني، الأمر الذي ترك أثرًا نفسيًا إيجابيًا لدى المواطن، وأشاع قدرًا من التفاؤل الوطني.
لكن، أيّها الأكارم، فلنقف وقفة وعي وتأمل، مستلهمين ما يقوله خبراء الاقتصاد: إنّ ضخّ العملة الأجنبية لا يُعدّ حلًّا دائمًا، بل هو تدبير مؤقت، لا يُجدي نفعًا ما لم يُرافقه استقرار نفسي في الأسواق، وتوفير فعلي للعملات الصعبة للمستوردين. فمتى ما توقّف الضخ، وعاد السوق لعدم الثقة، فإنّ النتائج ستتلاشى سريعًا، وربما يعود التدهور بوتيرة أشدّ.
ومن هنا، فإنّ هذا النموذج لا ينجح إلا إن جاء ضمن رؤية وطنية شاملة، تتضمن إصلاحات اقتصادية هيكلية مدروسة، وسياسات مالية رشيدة، تهدف إلى: تقليص العجز في الموازنة والدَّين العام و تعزيز الإنتاج المحلي والصادرات الوطنية و ضبط معدلات التضخم و تبني سياسات نقدية مستقلة وشفافة واجتثاث الفساد من جذوره، وترسيخ مبدأ الشفافيةوالمساءلة
فحينها فقط، تصبح العملة الوطنية مرآة حقيقية لقوة الاقتصاد اليمني، لا سرابًا زائفًا، ولا ترقيعًا هشًّا.
*خلاصة القول:*
حتى لو قامت الدولة بضخّ العملات الأجنبية إلى البنك المركزي، فإنّ ذلك لن يجدي نفعًا ما لم تكن هناك ثقة حقيقية بإرادة إصلاحية مستمرة، ومستقبل اقتصادي يخطو بثبات ولدينا شواهد وتجارب عالمية تؤكد ذلك:
1. مصر (2016):
حصلت على قرض من صندوق النقد الدولي، وحررت سعر الجنيه، وضخت دولارات في السوق. لكن النتائج لم تدم طويلًا، بسبب بطء بعض الإصلاحات لاحقًا.
2. الأرجنتين (عدة مرات):
دعمت عملتها عبر ربط البيزو بالدولار، دون أن تصحب ذلك إصلاحات بنيوية، فكانت النتيجة مزيدًا من الأزمات والعودة للتضخم والانهيار.
3. لبنان (ما بعد 2019):
اعتمد على ضخّ الدولارات لتثبيت سعر الليرة، دون أي إصلاح اقتصادي أو سياسي فعلي، فانتهت الأمور بانهيار كارثي للعملة، وفقدان شبه كامل للثقة.
*ومن هنا، نؤكد ما يلي:*
إنّ معالجة الاقتصاد اليمني لا تتحقّق بالمسكنات المؤقتة، ولا بضخّ العملة الصعبة وحده، بل بتحقيق إصلاحات اقتصادية جذرية، تقودها إرادة وطنية صادقة، تعيد الثقة إلى الأسواق، وتنهض بالإنتاج، وتحمي العملة من الانتكاس فلنكن واقعيين، لا نغرق في التفاؤل الأجوف، ولا نستسلم للتشاؤم القاتم. بل نزن الأمور بميزان العقل والحكمة، مدركين أن ما تحقق من تحسن في الريال خطوة مشجعة، لكنها ليست نهاية الطريق. فإن لم نُكمِل المسير في طريق الإصلاح، فقد نعود لا قدر الله إلى الوراء ولكننا أمة لا تيأس، وشعبنا عظيم، وبلادنا تستحق الأفضل. ورجاؤنا في الله عز وجل لا ينقطع، فهو أرحم الراحمين، وبيده الخير، وإليه المصير.
*`المقالات التي يتم نشرها لاتعبر الا عن راي الكاتب فقط ولا تعبر بالضرورة عن سياسة الموقع`*






