عندما يُقدَّم السكوت كعبادة!
( #تاربة_اليوم ) / كتابات وآراء
كتب : أنس علي باحنان
30 يوليو 2025
اطلعتُ على منشورٍ ينتقد الاحتجاجات الشعبية التي تشهدها حضرموت هذه الأيام، ويرى فيها فتنةً وخروجًا عن الدين وطاعة ولي أمر المسلمين. فأردت أن أوضح لهذا القائل ولأمثاله: أهذا الذي سأذكره مما ينبغي للمسلم أن يرضى به ويستكين له، ويطأطئ رأسه أمامه، فلا يحرّك ساكنًا لدفعه عن نفسه وأهله وإخوانه من المسلمين؟!
تأملوا هذه المظالم – وما خفي أعظم – ثم احكموا: أيسوغ السكوت عليها، أم يجب دفعها بكل وسيلة مشروعة ومتاحة؟ وهذه بعضها:
1. جوع وفقر مدقع: راتب الموظف لا يتجاوز خمسين ألف ريال يمني في بعض الاحيان، لا تكفي حتى لشراء كيس أرز واحد وزن عشرين كيلو ، بينما يُطالب بإعالة عشرة أفراد. أيرضى أن يرى أبناءه يتلوّون من الجوع؟!
2. حرمان من الكهرباء: على الرضيع والمسن والمريض أن يبيتوا في لُهب الحر، تنهشهم البعوض، ويضيق عليهم النفس، فلا راحة في ليل ولا نهار أما العامل عليه أي يضع مطرقته ويغلق معمله حتى تأتي الكهرباء.
3. انعدام الرعاية الصحية: المريض يُترك لقدره، لا يجد ثمن معاينة الطبيب، فضلًا عن قيمة الدواء، فيموت صامتًا.
4. التشرّد وانعدام السكن والعيش في العراء، لا مأوى يؤويهم، ولا قدرة على استئجار منزل يضمّهم.
5. حرمان الطفل من حقه في التعليم، فلا يجد ثمن الدفتر والقلم، ويُطلب منه أن يتعلم وبطنه خاوٍ.
6. شباب في ريعان العطاء، لا يجدون عملًا يُكسبهم كرامة ولا زواجًا يسترهم، فتُسحق آمالهم تحت وطأة هذا الوضع المرير.
7. احياء مكتظة بالقمامة، والمجاري الطافحة والأوبئة تنتشر بلا رادع.
8. مواطن يُحرم من حقوقه، إما بسبب فساد القضاء، أو مزاجية الموظف، أو فساد المنظومة التي لا تعرف الإنصاف إلا برشوة.
9. انعدام وسائل المواصلات فلا يجد المواطن وسيلة تنقله لقضاء حاجاته، أو لا يملك وقودها، فيظل حبيس مكانه وهمومه.
10. العودة إلى عصور البدائية لا غاز منزلي، ولا طهو ميسّر، فيعود الناس إلى الفحم والخطب.
11. تفشّي الرذيلة والمخدرات وعيش المجتمع وسط موجة جارفة من الانحلال، وتعاطي المسكرات والمخدرات، دون رادع أو حياء.
12. غزو فكري مدمّر لأولادنا فهم يتلقّون ثقافات تهدم الدين، وتطعن في القيم، وتفتت الأخلاق.
13. تفكك اجتماعي وأمراض فكرية: الأنانية، وحب الذات، والمذاهب الباطلة، تفتك بنسيج المجتمع، وتزرع الشقاق والبغضاء.
14. نظام فاسد مستبد حيث يحكم البلاد منظومة نفاق وكذب، تستقوي بالحديد والنار، وتنهب خيرات الوطن لا بالريال المتهالك، بل بملايين الدولارات، تحت غطاء خارجي لا يرحم.
* فبعد هذا، أيُّ عقل وأيُّ فقه يقول إن الإسلام يوجب على المسلم أن يرضى بهذا كله أو ببعضه، ولا يدفعه عن نفسه؟!
أي فهم للدين هذا الذي يجعل من السكوت عن الظلم حكمة، ومن مقاومته خروجًا وفتنة؟!
اللهم إنّا نبرأ إليك من هذا القول، ومن هذا الواقع، ومن كل فكر يُبرّر الذلّ والمهانة والفساد باسم الدين، والدينُ منه براء.
*`المقالات التي يتم نشرها لاتعبر الا عن راي الكاتب فقط ولا تعبر بالضرورة عن سياسة الموقع`*






