لي كوان يو!
بقلم / ناصر بامندود
الاحد 13 يوليو 2025
قبل اعوام تقريبًا كان يتحدث مدير عام مديرية المكلا الأسبق الأستاذ سالم بن الشيخ أبوبكر بأنه سيجعل من مدينة المكلا سنغافورة جديدة!
قلت في نفسي وقتها بأن الرجل يعرف جيدًا كيف كانت حالة سنغافورة حتى ستينات القرن الماضي، وقرأ كثيرًا عن ذلك الزعيم الذي أرتقى بها، فرأى في نفسه بأنه من سيكرر تلك التجربة هنا في المكلا، وقبل أشهر وتحديدًا أنتشرت في مدينتنا المستنقعات المائية بسبب الأمطار ، ممّا تسبب في كثرة عدد الحشرات خاصةً الذباب والبعوض.
ما لايعرفه الكثيرون بأن سنغافورة حتى ستينات القرن الماضي كانت مجرد جزيرة صغيرة فقيرة، تعيش نفس واقعنا الذي نعيشه، ولن أبالغ إذا ما قلت أسوأ! فكنت جزيرة الفساد والمستنقعات والبعوض مثلما أطلق عليها، الأمر الذي دفع بماليزيا لطردها من الاتحاد الماليزي وأعلن التخلي عنها- وطالما ذكرت ماليزيا ربما أكثرنا يعل بقصة مهاتير محمد وكيف نهض بها- لكن ثمّة شخصية أخرى وطنية ومخلصة، ذا عقلية مميزة ، نهض ببلده ، وانتشلها من الحضيض، سنتعرف عليه في الأسطر القادمة ، فيوم أعلنت ماليزيا طرد سنغافورة من اتحادها ، بكى حاكم سنغافورة على شاشة التلفاز أمام شعبه ، وتألم بشدّة من قرار الطرد.
غير أن كما يقول الأديب المصري توفيق الحكيم : ” لا شيء يجعلنا عظماء غير ألم عظيم” ، فهذا الألم العظيم، وهذا القرار المهين ، دفع بـ ” لي كوان يو ” إلى أن يخطط ، ويفكر ماذا عساه أن يفعل لينهض بتلك الدولة الصغيرة البائسة ، شحيحة من الموارد المعدنية ، والثروات النفطية ، والتي استشرى الفساد فيها كل مفاصل الدولة ، ووصف لي كوان يو في مذاكرته تلك المرحلة: ” كانت سنغافورة قاسية الفقر والمرض، والفساد والجريمة ، بيعت مناصب الدولة لمن يدفع ، خطف الشرطيون الصغيرات لدعا** الأجانب ، وقامسوا اللصوص فيما يجمعون ، أحتكر قادة الدفاع الأراضي والأرز ، وباع القضاة أحكامهم ! قال الجميع الإصلاح مستحيل ، لكنني التفتت للمعلمين ، وكانوا في بؤس ، وازدراء ، ومنحتهم أعلى الاجور ، وقلت لهم: أنا أبني لكم أجهزة الدولة ، وأنتم تبنون لي الإنسان “.
فبدأ لي كوان بالتعليم أولًا ، فأهتم به كثيرًا ، وأعطاه الأولوية ، ورفع مكانة وقدر المعلمين، حتى أصبحوا هم أصحاب الطبقة الأرقى في المجتمع ، وفي هذه لنا الدروس والعبر ، لا يمكن لأي دولة أن تنهض وتنتشل نفسها من واقعها المرير والمزري ، بدون أن يكون التعليم هو الأولية، فلم أقرأ عن دولةٍ نهضت وتعليمها متدني! وقد كان يقول مانديلا: ” التعليم هو أقوى سلاح يمكنك إستخدامه لتغيير العالم”.
ثمّ حارب الفساد الذي أعتبره “هادم الدول ” كما حارب المحسوبية ، ورفع شعاره الشهير ” البقاء للأكفأ ” ، وركز على الإقتصاد فبنى وشيد المصانع ، وعمل على جذب الإستثمارات العالمية.
وما هي إلاّ عقود قليلة حتى قاد لي كوان يو سنغافورة لتصبح من دولة صغيرة من دول العالم الثالث إلى دولة من دول العالم الأول ! ومن دولة فقيرة إلى دولة يتمتع مواطنيها بمعدل دخل مرتفع جدًا وقتصاد قوي ، لدرجة أنه يقال بأن سنغافورة أقوى عاصمة إقتصادية في العالم ! ومن ضعف وهوان وطرد إلى دولة يعتبر جواز سفرها من الأقوى عالميًا ، ومن فساد مستشري إلى دولة من أقل دول العالم في نسبة الفساد!
وبالرغم من كل تلك الإنجازات العملاقة التي حققها لي كوان يقول: ” أنا لم أقم بمعجزة في سنغافورة ، أنا قمت بواجبي فقط نحو وطني “، وأستقال من منصبه في العام 1990م بعد أن قام بواجبه نحو وطنه ، وتوفي في سنة 2015م .
فللّه درك يا لي كوان يو ، فالناس في وطني يقدسون حكام لم يجلبوا لهم إلاّ الفتن والحروب والفقر والذل، وما أحوجبنا إلى أمثالك!






