اعلانك معنا تحقيق اهدافك التجارية وزيادة مبيعاتك
ابحث في الموقع
تاربة اليوم - الموقع الإخباري اليمني

قصة قصيرة بعنوان “درس ثمنه الشلل”

قصة قصيرة بعنوان “درس ثمنه الشلل”

كتبها : أ / أحمد بارفيد
9يوليو2025م

في زاوية هادئة من المدينة حيث تتعانق النوافذ مع نسائم الصباح و تداعب الشمس أعشاش العصافير كانت تعيش أسرة تنبض بالحياة لكنها ويا للأسف تعاني من عمى البصيرة…
أسرة رفضت بعناد الجهل وغرور التهاون أن تفتح قلبها لصوت العلم وأن تفسح لأيدي الرحمة لتحصين فلذة كبدها من غدر الأوبئة رغم وجود حملات التوعية التي تملأ الشوارع والإذاعات ورغم المراكز الصحية التي تنبت في كل حي كزهور الأمل بقيت تلك الأسرة تسير عكس التيار متشبثة بوهم لا يسنده عقل ولا يبرره منطق…
قال الأب وهو يشد على أكمام ثوبه (( التحصين؟ لا حاجة لنا به… كثير لم يأخذوا اللقاحات من صغرهم ولم يصابوا بسوء )).
وقالت الأم بقلق مزج بالخرافة (( سمعت أن بعض الأطفال أصيبوا بأمراض بعد اللقاح… لا أريد أن أجرب على ابني )).
أما ابنهما (سعيد) ذلك الغصن الندي فكان يركض كالفراشة في أرجاء البيت يملأ جدرانه بضحكه الطفولي وينثر عبق الحياة في كل ركن… لم يكن يعلم أن ظلا ثقيلا يترصده وأن جسده الصغير على موعد مع عدو خفي لا يرحم…
وذات مساء خريفي خيم السكون على البيت غير أن سامي أطلق أنينا كسكين في خاصرة الهدوء…كان يشكو من ألم في ساقيه ثم فقد القدرة على الوقوف… ظنوه إرهاقا عابرا لكن ما لبث أن أصبح سقوطا مدويا في هاوية العجز…
ركض أبوه وأمه وذهبوا به إلى المستشفى والقلق يخنق أنفاسهم… وبعد فحوص مستعجلة خرج الطبيب ووجهه يعلوه الأسى ونظر إليهم نظرة وقال بصوت لم تنسه الأسرة ما دامت عائشة.
(( للأسف… لقد أُصيب بشلل الأطفال لو حصن في الوقت المناسب… لكان اليوم بخير))
الخبر صاعقة .. بل زلزال ضرب أركان قلوبهم وأحال ليلتهم إلى ركام… كانت ليلة حالكة السواد تتشقق فيها جدران الصمت بندم لا يحتمل.
انهارت الأم عند الباب تشهق بين الدموع و تنوح كمن فقدت روحها… و جثا الأب على ركبتيه، يضرب الأرض بكف نادمة ويردد ((يا إلهي… يا سعيد… سامحني… كنا نظن أننا نحميك فكنا نهدمك بأيدينا )).
ومضت الليالي لكن تلك الليلة بقيت عصية على النسيان موصومة في ذاكرتهم بليلة ((الدرس ثمنه الشلل)) …
كبر سعيد ولم ير السعادة فأصبح كرسيه المتحرك جزءا من المشهد ورغم ابتسامته الصامتة كانت عيونه تحكي كل شيء وكأنها تتمتم بقولها (( ألم تكونوا تحبونني؟ لماذا لم تصغوا لصوت الوقاية صوت التحصين ؟ ))
فانهار الأب وأطرقت الأم ولم يجد أحدهما جوابا لتلك الابتسامة الصامته والعيون المتممة …
هكذا انتهى الدرس … درس مرير نقشته الأيام على جدار القلب لم يكن مجانا بل درس ثمنه الشلل.
وبقيت تلك الليلة حاملة بين جنبيها وجعا لا يختزل ودرسا لا ينسى وصرخة في وجه كل متهاون بسلامة طفل.
دروس مستفادة من ( القصة ):
1/الوقاية ليست خيارا… إنها حياة كاملة تمنح في لحظة أو تؤخذ إلى الأبد .
2/ الوقاية ليست خيارا بل أسلوب حياة تمنح في لحظة وقد تؤخذ إلى الأبد إن أهملناها.
3/ لا نهمل التطعيم فهو مجاني اليوم…فلا ندفع ثمنا باهظا من صحة أحبتنا غدا.
4/ الندم لا يعيد الزمن ولا يشفي جسدا أصابه المرض
فلنتعظ قبل أن نجبر على البكاء بعد فوات الأوان.
5/صحة الطفل أمانة في عنق والديه والتقصير فيها تفريط لن يغتفر.
6/ التردد في اتخاذ قرار التطعيم قد يكون الثمن فيه عمر طفل بريء فليكن الحسم في الخير أسبق من التردد في الوهم.

إغلاق