الصمت القاتل.. حين تتحول الفضة إلى رماد
كتب / م. اشرف حيمد قفزان
الخميس 19 يونيو 2025
في زوايا مجتمعاتنا، تتضخم المشكلات وتتراكم الهموم. الأسعار ترتفع كالجبال، الفساد ينخر في كل زاوية، والمسؤولية تتبدد في دهاليز الفشل. مشاهد مؤلمة تتكشف أمام أعيننا كل يوم، تنهار معها قيم وأحلام، بينما يلف الصمت غالبية الشعب. صمتٌ ثقيل يطرح السؤال الأهم: إلى متى؟
لطالما قيل إن “السكوت من فضة”، وهي حكمة عميقة تعلمنا ضبط اللسان والتأمل قبل التسرع. الصمت يكون فضيلة حين يكون ملاذًا للحكمة، حين يحمينا من زلل القول أو الوقوع في غيبة، أو حين يمنحنا فرصة للتفكير العميق قبل الإقدام على فعل أو قول. هو هدوءٌ يسبق الحكمة، ووقارٌ يمنح صاحبه هيبة.
ولكن.. متى يتحول الصمت إلى سم زعاف؟
هنا تكمن المأساة، وحينها لا يعود الصمت فضة بل يصبح نارًا تحرق أرواحنا وتدمر أوطاننا. الصمت يتحول إلى لعنة حين يطبق على الألسنة وهي ترى الحق يُزهق، والظلم يستشري، والفساد يتغول بلا حسيب أو رقيب.
تخيل مجتمعًا يرى أسعاره ترتفع بجنون، قوت يومه يصبح رفاهية، بينما السرقات تزداد والخدمات تتردى. يرى الفاشلين يتربعون على عرش المسؤولية، والمؤهلين والكفاءات يهمّشون ويُدفعون إلى الهامش. في هذا المشهد المؤلم، يصبح الصمت تواطؤًا. يصبح رضا بالظلم. يصبح مشاركة سلبية في هدم مقومات الحياة.
الصمت هنا ليس حكمة، بل هو خوف أو يأس أو لامبالاة قاتلة. الخوف من مواجهة الواقع، أو اليأس من القدرة على التغيير، أو اللامبالاة التي تجعل الفرد ينعزل عن هموم مجتمعه. هذا الصمت المطبق هو ما يصنع من الفاشل “كبير قومه”، ويجعل من المتعلم المثقف في أدنى درجات السلم الاجتماعي. إنه يقتل الضمائر شيئًا فشيئًا، ويُفقد المجتمع بوصلته الأخلاقية.
السؤال “إلى متى هذا الصمت؟” ليس مجرد تساؤل، بل هو صرخة من أعماق الروح. إن استمراره يعني المزيد من الانهيار، والمزيد من الفقدان. لكن الأمل يكمن في إدراك أن هذا الصمت ليس قدرًا محتومًا.
كسر جدار الصمت لا يعني بالضرورة الفوضى أو العنف، بل يعني استعادة الوعي وإعلاء كلمة الحق. إنه يعني أن نتحدث لا نخاف من التعبير عن آرائنا البناءة، ونطالب بحقوقنا بوضوح وصدق، أن نُساءل نرفض القبول بالفشل ونُطالب بمحاسبة المقصرين، فالمسؤولية أمانة وليست مكسبًا شخصيًا، أن نتكاتف ندرك أن قوة الفرد تكمن في قوة الجماعة، وأن الصوت الواحد قد يُهمش، لكن الأصوات المتضافرة لا يمكن تجاهلها، أن ندعم الكفاءة نُعلي من شأن المتعلم والمثقف وصاحب الخبرة، ونُمكنهم من أخذ دورهم الطبيعي في بناء المجتمع.
الصمت حين يكون عن الحق، هو ليس فضة، بل هو ثمن باهظ ندفعه جميعًا. آن الأوان لأن نُدرك أن كلمتنا هي أغلى ما نملك، وأن صمتنا قد يدمر كل شيء حولنا. فلنكسر هذا الصمت، ونُعلن بصوت واحد أننا نستحق حياة أفضل، ومستقبلًا يليق بأبنائنا.






