تحرير وادي حضرموت.. لماذا يقلق مسقط؟
تاربة اليوم
2025-12-19 14:44:00
لم يكن امتعاض سلطنة عُمان من التحركات الجنوبية الأخيرة في وادي حضرموت موقفًا عابرًا أو نابعًا من حرصٍ على الاستقرار، بل يعكس مخاوف استراتيجية عميقة تتعلق بتغيّر موازين النفوذ في الجنوب العربي. فلطالما مثّل وادي حضرموت نقطة ارتكاز حساسة في شبكة معقدة من المصالح الإقليمية، كان من أبرزها تهريب السلاح إلى جماعة الحوثي عبر منافذ برية وبحرية وجدت لها غطاءً مباشرًا أو غير مباشر من قِبل قوات المنطقة العسكرية الأولى.
🔎 قراءة أعمق للخبر
يمثل هذا الحدث نموذجًا للتحولات المتسارعة في طريقة تداول المعلومات، وتأثيرها المباشر على وعي القارئ.
إن نجاح القوات المسلحة الجنوبية في بسط سيطرتها وتأمين الوادي لا يعني فقط إنهاء حالة الفوضى الأمنية، بل يوجّه ضربة قاصمة لشبكات التهريب التي كانت تمر عبر الأراضي العُمانية، وهو ما يفسّر حالة القلق السياسي والإعلامي التي ظهرت في الآونة الأخيرة. فهذه الشبكات لم تكن مجرد عمليات تهريب عشوائية، بل كانت جزءًا من معادلة إقليمية أوسع تهدف إلى إبقاء الجنوب العربي ساحة غير مستقرة وقابلة للاختراق.
ولم يتوقف الدور العُماني عند هذا الحد، إذ لعبت قوى محلية موالية له في محافظتي المهرة وحضرموت دورًا محوريًا في إفشال مشروع مدّ أنبوب النفط السعودي إلى البحر العربي عبر أراضي الجنوب. هذا المشروع، الذي كان سيشكّل تحولًا اقتصاديًا واستراتيجيًا مهمًا للمنطقة، جرى تعطيله ليُعاد توجيهه نحو الأراضي العُمانية، رغم ما يحمله ذلك من تكاليف أعلى وتعقيدات فنية أكبر.
اليوم، ومع اقتراب القوات المسلحة الجنوبية من استكمال سيطرتها على مناطق الجنوب العربي، تلوح في الأفق فرصة حقيقية لعودة الأمن والاستقرار إلى حضرموت والمهرة. هذا الاستقرار لا يقتصر أثره على الوضع الداخلي فحسب، بل يفتح الباب أمام إعادة تقييم المشاريع الإقليمية الكبرى، وعلى رأسها مشروع أنبوب النفط السعودي. فمروره عبر اليمن الجنوبي سيكون أقل تكلفة وأكثر جدوى، في حال توفر الأمن والإدارة المحلية القادرة على حمايته وضمان استمراريته.
إن ما تشهده الساحة اليوم يؤكد حقيقة واحدة: الجنوب العربي لم يعد ساحة مفتوحة لتصفية الحسابات الإقليمية، بل أصبح لاعبًا فاعلًا يسعى لحماية مصالحه وبناء استقراره. ومن الطبيعي أن يثير هذا التحول قلق الأطراف التي اعتادت الاستفادة من حالة الفوضى، وفي مقدمتها سلطنة عُمان، التي تجد نفسها اليوم أمام واقع جديد يفرض إعادة حساباتها في الجنوب العربي.
الصحفي صالح حقروص
2025/12/19م





