اعلانك معنا تحقيق اهدافك التجارية وزيادة مبيعاتك
ابحث في الموقع
تاربة اليوم - الموقع الإخباري اليمني

غياب الخدمات وانعدام الرواتب… حين تُستنزف المحافظات المحررة بين معاناة الناس وخيام التطبيل

غياب الخدمات وانعدام الرواتب… حين تُستنزف المحافظات المحررة بين معاناة الناس وخيام التطبيل

( #تاربة_اليوم ) / كتابات وآراء
كتب : ليلى بن بريك
17 ديسمبر 2025

في المحافظات التي وُصفت بالمحررة، لم يعد المواطن يلمس من معنى التحرير سوى الاسم، بينما الواقع يزداد قسوة، والهمّ المعيشي يخنق المعلمين وموظفي الإدارات، أولئك الذين يُفترض أنهم عماد الدولة وبناة الوعي والنظام. أشهرٌ طويلة تمر دون رواتب، تتآكل فيها الكرامة قبل القدرة على الصبر، في ظل صمتٍ رسمي مريب، وغياب أي رؤية حقيقية لإنقاذ ما تبقى من الاستقرار.

🔎 قراءة أعمق للخبر

يمثل هذا الحدث نموذجًا للتحولات المتسارعة في طريقة تداول المعلومات، وتأثيرها المباشر على وعي القارئ.

المعلم الذي يصنع الوعي، وموظف الإدارة الذي يحفظ سير المؤسسات، باتا اليوم ضحية أولويات مختلّة، حيث تُترك الحقوق الأساسية معلّقة، بينما تُنفق الجهود والموارد في إقامة خيام التطبيل على حساب القهر والمعاناة اليومية من قلة الخدمات وإنقطاع الرواتب لأشهرمتتالية، وتنظم فعاليات للمدح والتلميع لمكوّنٍ أو جهة، وكأن الناس بخير في أحسن حال، وكأن المعاناة مجرد تفصيل يمكن تجاوزه بالشعارات.

إن أخطر ما تعيشه المحافظات المحررة اليوم هو هذا التناقض الفجّ بين واقع الناس وخطاب أبواق المجلس الانتقالي . فالاستقرار لا يُقاس بعدد الخيام المنصوبة ولا بحجم الهتافات، بل بقدرة المواطن على العيش بكرامة، وبانتظام الرواتب، وبوجود خدمات تحفظ الحد الأدنى من الحياة. أما حين يُستبدل ذلك بالتلميع الإعلامي، فإننا أمام محاولة مكشوفة لتغطية الفشل لا معالجته.

لقد تحولت السياسة في كثير من هذه المحافظات من قبل المجلس الانتقالي إلى سباق على الظهور، لا على الإنجاز، وإلى تسلق فوق معاناة المعلمين والموظفين، الذين أصبحوا وقوداً لصراعات لا ناقة لهم فيها ولا جمل. تُرفع صور القيادات، وتُطلق عبارات الثناء، بينما البيوت تعاني، والمدارس تُهدد بالإغلاق، والإدارات تعمل بلا روح ولا إمكانات.

إن تهميش ملف الرواتب ليس مجرد خطأ إداري، بل تهديد مباشر لأمن المجتمع واستقراره. فالمعلم الجائع لا يستطيع أن يؤدي رسالته، وموظف الدولة المقهور يفقد ثقته بالمؤسسة، ومع الوقت يتآكل الإحساس بالانتماء، وتصبح الدولة شكلاً بلا مضمون. هنا تتحول المحافظات المحررة إلى بيئة هشّة، قابلة للانفجار في أي لحظة.

الوطن اليوم لا يحتاج إلى خيام تطبيل، بل إلى قرارات شجاعة تعيد ترتيب الأولويات، وتضع الإنسان قبل المكون، والخدمة قبل الشعارات، والحق قبل المصالح. فالمحافظات المحررة لن تُحمى بالمدح، ولن تستقر بالتزييف، بل بالعدل، وصون الحقوق، ومحاسبة كل من قصّر أو تلاعب بلقمة الناس.

إن صوت المعلم وموظف الإدارة اليوم هو صوت الوطن الحقيقي، وأي سياسة تتجاهلهما، مهما تجمّلت، هي سياسة الانتقالي اليوم تقود إلى مزيد من الانهاك والانقسام. فلا تحرير بلا كرامة، ولا استقرار بلا رواتب، ولا وطن يُبنى على أنقاض صبرٍ أُنهك حتى النهاية.

المقالات التي يتم نشرها لاتعبر الا عن راي الكاتب فقط ولا تعبر بالضرورة عن سياسة الموقع

إغلاق