لماذا يسمح لليمن ان يدمر ولايسمح له ان ينهض .. الجزء الثاني
بقلم / خالد الصيعري
الاثنين 15- ديسمبر -2025
النهوض يعني استقلال القرار السياسي.
واليمن المستقل لا يمكن التنبؤ بقراراته، لأنه بلد ذو تركيبة اجتماعية معقدة وطموحات جيوسياسية لم تُختبر بعد. ولهذا تخشى القوى الإقليمية من أن خروج اليمن من عباءة النفوذ سيجعل منه لاعبًا مزعجًا في ملفات حساسة.
ثانيًا: النهوض يعني السيطرة على الثروات الطبيعية.
وهذا سيُدخل اليمن في club الدول النفطية بشكل فعلي، لا كدولة لديها نفط ولكن بلا قدرة على إدارة الملف. وجود حكومة مستقرة سيعني إبرام اتفاقيات جديدة، وإلغاء اتفاقيات قديمة، وربما استخدام الثروة كورقة ضغط سياسي. وهذا غير مرغوب.
ثالثًا: النهوض يعني انتهاء اقتصاد التدخلات الخارجية.
المساعدات، برامج “الاستقرار”، المنظمات، القروض، كلّها أدوات نفوذ. دولة مستقرة لا تحتاجها، وبالتالي ينحسر تأثير القوى الدولية في صنع القرار.
رابعًا: النهوض يهدد مشاريع التوسع والنفوذ لبعض القوى الإقليمية.
فاليمن الموحد سيقف أمام نفوذ يريد أن يتمدد، وسيرسم حدودًا واضحة، وسيرفض أي وجود عسكري غير مرتبط باتفاقات معلنة.
بمعنى آخر:
نهضة اليمن ليست مجرد “إرادة يمنية”، بل هي صدام مباشر مع مصالح تمتد من واشنطن إلى طهران، ومن الرياض إلى تل أبيب، ومن أبوظبي إلى أديس أبابا.
ولكن لا يمكن تحميل الخارج كل المسؤولية. فاليمنيون أيضًا، بضعف مؤسساتهم، وتناحر نخبتهم، وغياب مشروع وطني جامع، قدموا بيئة مثالية للتدخل الدولي.
الفساد، المحاصصة، غياب الثقة، الارتهان للخارج… كلها كانت أبوابًا مفتوحة.
لكن يجب القول بوضوح:
مهما كانت مشاكل الداخل عميقة، فإنها لم تكن كافية وحدها لدفع البلد نحو هذا الانهيار. فالدول تنهار عندما تتضافر أزماتها مع رغبات خارجية تستثمر فيها. وعندما يكون البلد غنيًا بالثقوب، فإن أول ريح إقليمية كفيلة بإسقاطه.
اليمن لا يعاني فقط من أخطائه؛ يعاني من كونه مركز تقاطع بين مشاريع متضاربة:
مشروع يريد تقسيمه، مشروع يريد احتواءه، مشروع يريد تحويله إلى ساحة نفوذ، ومشروع يريد منه أن يبقى مجرد “وظيفة جغرافية” لا دولة ذات سيادة.
أما النخبة اليمنية—في كثير من الأحيان—فقد أدت دورًا مكملًا:
■ البعض راهن على الخارج ليصل إلى السلطة.
■ البعض حوّل المناطق إلى إقطاعيات صغيرة.
■ البعض تاجر بالملف الإنساني.
■ والبعض اكتفى بالفرجة.
وهكذا وجد اليمن نفسه محاصرًا مرتين: مرة من الخارج، ومرة ممن يفترض أنهم حُماته في الداخل
رغم الصورة القاتمة، فإن اليمن ليس قدَرًا محتومًا.
هناك مساحات لم تُستثمر بعد:
■ وعي متزايد لدى المجتمع بأن الخارج لن يأتي بالحل.
■ إدراك لدى القوى المحلية بأن الصراع استنزف الجميع.
■ تحولات في المزاج الدولي تفرض تغيّرًا في التعاطي مع الأزمات المطوّلة.
■ ضغوط اقتصادية على القوى الإقليمية تجعل استمرار الحرب استنزافًا لا مكسبًا.
نهضة اليمن ممكنة، لكنها تحتاج إلى معادلة مكتملة:
حكومة وطنية ذات شرعية اجتماعية حقيقية، لا شرعية شكلية.
جيش موحد غير تابع للمراكز الإقليمية.
إدارة اقتصادية شفافة للموارد.
مساواة سياسية توقف دوامة الإقصاء.
ورؤية تتجاوز فكرة “الحل الإسعافي” إلى مشروع دولة طويل الأجل.
لكن الأهم هو اتخاذ قرار جماعي بأن اليمن لن يكون بعد اليوم ساحة صراع بالوكالة.
فلا أحد سيحترم بلدًا لا يحترم نفسه، ولا أحد سيمنح دولةً سيادةً لا تطالب بها.
خلاصة مُرّة… ولكن ضرورية
السماح لليمن بالدمار، وعدم السماح له بالنهوض، ليس مؤامرة بقدر ما هو نموذج إدارة نفوذ في منطقة حساسة.
القوى الكبرى لا تفكر بعاطفة، بل بلغة المصالح البحتة.
والقوى الإقليمية لا ترى اليمن إلا من زاوية أمنها وحدودها.
والنخبة اليمنية—مع الأسف—كانت دائمًا الحلقة التي تسمح لهذا النموذج بأن يستمر.
لكن التاريخ يثبت شيئًا واحدًا:
لا توجد قوة—مهما عظمت—تستطيع أن توقف شعبًا قرر أن ينهض.
واليمن، بطاقته البشرية، وموقعه، وعمقه الحضاري، قادر على استعادة نفسه إذا توفرت ثلاث كلمات فقط:
إرادة داخلية صادقة.
قرار سيادي مستقل.
ومشروع وطني لا يخضع للمساومات.
عندها فقط سيعرف العالم أن اليمن ليس قدرًا مكتوبًا عليه الخراب، بل بلدٌ ينتظر لحظته التاريخية—لحظة النهوض الذي حُرم منه طويلًا.






