اعلانك معنا تحقيق اهدافك التجارية وزيادة مبيعاتك
ابحث في الموقع
تاربة اليوم - الموقع الإخباري اليمني

الصراع الطبقي في حضرموت: جذوره التاريخية وخطره المتجدد وسبل الخلاص

الصراع الطبقي في حضرموت: جذوره التاريخية وخطره المتجدد وسبل الخلاص

بقلم :  م . لطفي بن سعدون الصيعري.
الاثنين 15 ديسمبر 2025

في خضم الفوضى التي تعبشها حضرموت منذ اجتياحها من قبل قوات المجلس الانتقالي الجنوبي ، تم قبل امس تداول مقطع فيديو من ساحة الإعتصام بسيؤن ، والمشاركون فيه يرددون بحماس شعار (ياعيدروس اعلنها دولة  باسم العامل والفلاح) وهي تكرار لشعارات السبعينات الماركسية التي اجتاحت حضرموت أثناء مايسمى الانتفاضات الفلاحية سيئة الصيت ، التي اجترحها عبدالفتاح اسماعيل ورفاقة الشيوعيون عندما حكموا الجنوب وحضرموت ،  ودفعوا بتطبيقها في حضرموت  ، بهدف شق وحدتها الوطنية وتمزيق نسيجها الاجتماعي وإضعاف مقاومتها تجاه المد الماركسي الذي تبنوه كنظام حكم في بلادنا حينذاك . وتاتي حادثة يوم امس بالتاكيد بدفع من قيادات الغزو.

💬 لماذا يهمك هذا الخبر؟

تكمن أهمية هذه الأخبار في انعكاسها على حياة المستخدم اليومية وفهمه لما يدور حوله.

لم تكن حضرموت، عبر تاريخها الطويل، ساحةً للصراع الطبقي أو الاحتراب الاجتماعي، بل عُرفت بتماسك نسيجها الاجتماعي، وتكامل أدوار قبائلها، وتجارها، وعلمائها، وفلاحيها ، وعمالها، وصياديها، في إطار منظومة حضارية إسلامية متماسكة. غير أن هذا الواقع تعرّض لهزات عميقة منذ مطلع السبعينيات، ولا تزال آثارها تتجدد حتى اليوم بأشكال مختلفة.

ففي بداية السبعينيات، عمدت القيادة الشيوعية الحاكمة في دولة جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، بقيادة عبدالفتاح إسماعيل ورفاقه، إلى زرع ثقافة الصراع الطبقي في حضرموت كجزء من مشروع أيديولوجي مستورد، هدفه تفكيك البنية الاجتماعية التقليدية، وإحداث قطيعة قسرية بين مكونات المجتمع. وقد تجلّى ذلك عبر ما سُمّي بـالانتفاضات الفلاحية»، وسياسات التأميم الشامل للعقارات والشركات والمصانع ووسائل الاصطياد، مما أدى إلى خلق عداوات وصراعات بين القبائل والتجار ومشايخ العلم من جهة، وبين العمال والفلاحين والصيادين من جهة أخرى.
واستمرت هذه الثقافة في التغلغل حتى مطلع الثمانينيات، قبل أن تبدأ في التراجع والضمور، ثم تغيب نسبيًا عن المشهد بعد وحدة عام 1990م. غير أن غياب المعالجة الجذرية أعاد إنتاجها لاحقًا، حيث عاودت الظهور مع بدايات الحراك الجنوبي في نهاية التسعينيات واستمر متصاعدا، ثم تعزز حضورها حاليا بشكل أوضح بعد اجتياح قوات المجلس الانتقالي الجنوبي لحضرموت في ديسمبر 2025م، في سياق سياسي وأمني معقد استُثمر فيه هذا الخطاب لإحداث انقسام داخلي خطير.

*عوامل انتعاش ثقافة الصراع الطبقي :*
يمكن رصد جملة من الأسباب الرئيسية التي أسهمت في إعادة إحياء هذه الثقافة المدمرة:
1) غياب قانون العدالة الانتقالية بعد الوحدة، وهو ما حال دون تطبيع الأوضاع الاجتماعية في حضرموت، وأبقى جراح الماضي مفتوحة، في ظل رغبة ضمنية لدى طرفي الوحدة في إبقاء حضرموت ضعيفة وممزقة، خشية بروزها كثقل سياسي واقتصادي مؤثر في مواجهة صنعاء وعدن.
2) عدم قبام قيادات القبائل وبقية الفئات المقابلة للكادحين بدورهم التصالحي معها وتطمينهم بعدم الرغبة في الانتقام من ممارسات السبعينات ضدهم .وبالعكس من ذلك ظهرت بعض الأصوات الشبابية الموتورة الداعية بضرورة الانتقام وتصفية الحسابات معها ، بل ودخلت في التنفيذ بقتل وملاحقة بعض قياداتها خارج القانون وممارسة نظرة استعلاء واستفزاز ومضايقات وتوجيه الكلمات الجارحة لكثير منهم.
3) تمت تغذية هذه الخلافات من منظومة الحكم اليمني سرا وعلانية ، لابقاء حضرموت ممزقة ، خاصة بعد تصاعد الرفض القبلي لممارسات الإستعلاء والتهميش والمضايقات والفلتان والبلطجة وخرق القوانبن ونهب الاراضي والثروات وفرض الاتاوات والقتل من قبل القوات الغازية .
4) بعد ظهور الحراك الجنوبي في ٢٠٠٧م ، ومن ثم المجلس الانتقالي الجنوبي في ٢٠١٧ م ، كان معظم قوامهما في حضرموت. في البداية يتشكل من الفئات الكادحة ، وعمدت القيادات لتعزيز ثقافة الصراع الطبقي في اوساطهم.  لاجتذاب اكبر قدر منهم الى جانبها ، بعد احجام قبائل حضرموت وبقية الفئات المتحالفة معها.  للعودة للهيمنة الجنوبية وتحت قيادتهم .
5) عدم قيام الدعاة ومشايخ العلم بدورهم التنويري في اوساط هذه الفئات الكادحة ، بان هذه الثقافة الطبقية دخيلة على مجتمعنا الحضرمي الإسلامي ، ومن صلب الافكار الشيوعية الملحدة الهادفة لتمزيق الوحدة الإسلامية المتينة واضعافعا.  خدمة للمشروع الصليبي الصهيوني المضاد للاسلام  .
6) غياب المشروع الوطني الحضرمي الجامع ,:
في ظل غياب مشروع حضرمي واضح المعالم يعبر عن جميع الفئات، تُترك الساحة للأيديولوجيات الوافدة لتملأ الفراغ. وعندما لا يجد العامل أو الفلاح أو الصياد نفسه جزءًا من مشروع جامع وعادل، يصبح أكثر قابلية لتصديق خطاب الصراع والتحريض، مهما كان مصدره.
7) توظيف المظلومية الاقتصادية خارج سياقها الحقيقي:
لا شك أن هناك مظالم اقتصادية حقيقية عانت منها فئات واسعة، لكن جرى تسييس هذه المظالم وتحويلها من مطالب عادلة  تستوجب الإصلاح والإنصاف، إلى أداة شحن طبقي موجهة ضد فئات اجتماعية بعينها، بدل توجيهها نحو منظومات الفساد والنهب والهيمنة.
8) دور الإعلام المؤدلج ومنصات التواصل :
ساهمت بعض المنصات الإعلامية والحسابات الناشطة في:
إعادة إنتاج خطاب السبعينيات بلغة جديدة،
شيطنة فئات اجتماعية كاملة،
وتكريس ثنائية (كادحين / متسلطين) بشكل تبسيطي ومضلل.
هذا الخطاب وجد في وسائل التواصل بيئة خصبة للانتشار السريع، خاصة بين الشباب-
9) غياب النخب الوسطية العاقلة عن المشهد:
تراجُع دور النخب الحضرمية المعتدلة (الأكاديميين، المثقفين، رجال الاقتصاد الوطنيين، الشخصيات الاجتماعية الجامعة) ترك الساحة إما:لخطاب تعبوي حاد، أو لخطاب انتهازي مستفيد من الانقسام.
وغياب الصوت العاقل يفتح المجال دائمًا لصوت الفتنة.
*نحو استعادة وحدة النسيج الحضرمي*
إن مواجهة هذا الخطر لا تكون بالإنكار أو القمع، بل عبر معالجة جذرية وشجاعة تبدأ بالاعتراف المتبادل بما وقع من مظالم تاريخية، دون فتح أبواب الانتقام أو تحميل الأجيال الجديدة أخطاء الماضي. كما تبرز الحاجة إلى إطلاق مسار عدالة انتقالية حضرمية مجتمعية، يهدف إلى جبر الضرر ورد الاعتبار، لا إلى تصفية الحسابات.
ويتطلب الأمر أيضًا تفكيك خطاب الصراع الطبقي، مع الحفاظ على المطالب المشروعة للعدالة الاجتماعية، واستعادة الدور التنويري للدعاة ومشايخ العلم في ترسيخ قيم التكافل والتعاون وحرمة الدم والمال، وبناء مشروع حضرمي جامع عابر للطبقات، يؤكد أن الجميع شركاء في الأرض والمصير.
وخلاصة القول ، فإن ما تواجهه حضرموت اليوم ليس مجرد أزمة سياسية أو أمنية، بل معركة على الوعي والهوية الاجتماعية. فإما أن يُعاد إنتاج صراعات الماضي بثوب جديد، والوقوع تحت.الهيمنة الجنوبية من جديد.  التي اذلت وهمشت الحضارمة وابعدتهم عن مركز القرار.  بكل فئاتهم جميعا.  أو تُستعاد روح حضرموت الجامعة التي صهرت كل فئاتها في نسيج واحد. وجعلت لصوتهم واسمهم حصورا ممبزا في كل انحاء العالم
وحدها المصالحة الصادقة، والوعي المسؤول، والمشروع الجامع، كفيلة بإغلاق هذا الملف الخطير، وحماية حضرموت من أن تكون ضحية جديدة لصراعات أيديولوجية لا تشبهها ولا تخدم مستقبلها. اللهم اني بلغت ، اللهم فأشهد .

إغلاق