مخرجات التعلم لردم الهوة بين العمل و التعليم
بقلم / د. عبدالله احمد منصور باثنية
الاحد 14 ديسمبر 2025
فلسفة التربية الحديثة وفلسفة التعليم الجامعي تقوم على ركيزة اساسية وهي ربط التعليم بالعمل وبالحياة الوظيفية والمهنية. ورغم ذلك تتسع يوما بعد يوم الفجوة بين التعليم والمهن او الحرف والوظائف .
يحاول اليوم علماء الاجتماع الامريكيون ردم هذه الهوة من خلال التعليم القائم على المخرجاتOutcomes Based Education
اختصارا ( O B E )
لقد لاحظ هؤلاء ان كثيرا من خريجي الجامعات الاميريكية يعملون في مهن غير مرتبطة بتخصصاتهم الجامعية والبعض منهم عاطلون عن العمل هذا دفعهم الى السؤال التالي:
المعرفة موجودة لكن النتجة اين ؟
بمعنى ان المعرفة الاكاديمية النظرية موجودة ونقلت من خلال عمليات التعليم والتعلم الى عقول الطلاب ، لكن ما علاقة هذه المعرفة بالنتيجة المطلوبة منهم في الوظائف التي سيشغلونها او شغلوها بالفعل ، هل هناك فارق بين المعرفة النظرية ومتطلبات المهنة كمهارات لابد من توافرها لدى الخريجين.
مررنا اثناء دراستنا في المراحل التعليمية المختلفة بمدرسين تتفاوت مستوياتهم الاكاديمية والمهنية، فتجد مدرسا مثلا يستطيع ادارة الصف بفعالية وتوجيه الاسئلة والنقاش واثارة فضول الطلاب وشغفهم ويراعي الفروق الفردية بين الطلاب وينوع اساليبه التدريسية تبعا لكل موقف ويحصل على تقدير مرتفع من الموجهين الفنيين ولكن سجله الاكاديمي او بيان درجاته تضعه متوسطا بين زملائه وليس متفوقا وبالمقابل تجد صاحب السجل الاكاديمي المرتفع الدرجات تنقصه القدرة على ادارة الصف وايضا تنويع الاساليب ولا يراعي الفروق الفردية ويظن ان الجميع يفهم بمستوى واحد مثلما يفهم هو، و لا يمتلك القدرة على اثارة تفاعل الطلبة واقبالهم وشغفهم نحو الدرس .
كذلك قد نجد من بين خريجي كليات الطب من هو متفوق اكاديميا ومعرفيا لكن تنقصه مهارات التواصل مع المريض واثارة الاسئلة حول ما يعانيه المريض ووضع الاحتمالات لما قد يكون مصابا به ويعطي تشخيصا غير صحيح للحالة بينما نجد زميله الذي هو اقل منه في ترتيب الدرجات يعطي تشخيصا صحيحا للحالة وربما نجد مساعد طبيب افضل من طبيب في التشخيص .
وإذا اوفدت كلية الاقتصاد والادارة دفعة من طلابها الخريجين نحو مصنع او شركة او مؤسسة لمدة فصل دراسي مثلا وطلب القسم العلمي من مديري الشركة او اصحاب العمل تقييم هؤلاء الطلبة بحسب الاداء في الوظائف والمكاتب التي عملوا بها لوجدنا ان تقييم الشركة يختلف عن التقييم المعرفي ودرجاتهم في الكلية ، لان مهارات العمل ضمن فريق والقدرة على تحمل ضغوطات العمل وحل المشكلات والتفكير بطرق غير مالوفة واتخاذ القرار في المواقف المختلفة، قد يتفوق فيها الطلبة الاقل درجات في الكلية وليس بالضرورة المتفوقين علميا.
كما ان البعض ممن يمتلكون المعرفة لا يستطيعون توظيفها وتطبيقها وليس التباين فقط في المهارات الشخصية
لقد صرخ وليم سبادي وهو رائد هذا الاتجاه في احدى مؤتمرات ال OBE
قائلا ،” لا يمكن ان اعطي الطلاب عشرات الصفحات واعلن لهم امتحان بعد فترة زمنية وتمنح لهم درجات بحسب الاجابات ،ثم نقول ان هذه مخرجات تعلم هذا هراء “
ان كلام سبادي لا يلغي الامتحانات لكنه لا يكتفي بها.
قدم سبادي تصورا لكيفية الانتقال في النظام التعليمي من الأدنى الى الأعلى وسمى هذا التصور جبل اظهار التعلم وقد قسم هذا الجبل الى ثلاثة مستويات 3t
الاول المستوى التقليدي ( Traditional )
وهذا يمثل قاع الجبل الأكثر اتساعا وهو يشبه التعليم القائم على المحتوى والتدريس اي التعليم التقليدي وتكون فيه الاهداف التدريسية واسعة وغير محددة تبعا للمحتويات والمقررات الدراسية ويقاس مستوى تقدم الطلبة في هذه المرحلة من خلال ادوات القياس التقليدية الاختبارات بانواعها والواجبات والتمارين
الثاني: المستوى الانتقالي
( Transitional )
ويقع في منتصف الجبل حيث يكون الجبل اقل اتساعا وتكون فيه مخرجات التعلم اقل عددا واكثر تركيز ويقل فيه المحتوى الدراسي التقليدي, ويمثل مرحلة انتقالية بين الاعتماد على المحتوى الدراسي والدخول الى الادوار الحقيقية والوظيفية في الحياة ، ويمكّن هذا المستوى الطلبة من الثقافة الرقمية واساليب التعلم ومهارات التفكير العليا ومهارات القرن الواحد والعشرين وتدمج في هذا المستوى الأنشطة التعليمية التدريسية بأنشطة التعلم الذاتي، ويكون فيه القياس ايضا يعتمد على الاختبارات والواجبات والملاحظة ومدى امتلاك مهارات التعامل مع الالة ومصادر التعلم .
المستوى الثالث وهوالمستوى التحويلي
( Transformational) وهو جديد هذه الفكرة وثورةحقيقية في التعليم ، ويقع راس او قمة جبل التعلم حيث يضيق الجبل اكثر وتكون مخرجات التعلم للبرامج لا تتجاوز عشرة او احدى عشر مخرج تعلم وهنا ينتقل الطالب من المدرسة الى اداء ادوار حقيقية في الوظيفة التي سيشغلها في المستقبل، ولابد هنا من التركيز على المهارات لا المعرفة فقط ويقل فيها المحتوى الدراسي وتكون النشاطات المهنية اكثر حضورا ، ويكون القياس والتقييم من
خلال الاستبانات والملاحظات لأرباب العمل او المديرين المباشرين
ان ما طرحه وليم سبادي كان احساسا منه ومن زملائه تجاه اتساع الهوة بين التعليم والعمل ومحاولة اعادة الثقة واعطاء انظمة التعليم دفعة جديدة ، بعد ان اصبحت هذه الانظمة شبه عاجزة عن مجاراة حاجة السوق ومتطلبات المهن والوظائف والتقليل من نزعة المؤسسات الاكاديمية واهتمامها بالتعليم النظري واهمال جوانب اخرى اكثر اهمية من المعرفة النظرية البحتة .
وعلى الرغم من قدم الفكرة الا ان تطبيقها قد تعثر في كثير من المؤسسات التعليمية نتيجة لعدم وضوح اساليب التقييم والقياس في المستوى التحويلي، وهل تتعامل المؤسسات مع هذا التصور كسلم تعليمي جديد بمراحل ثلاث ام ان الموضوع اكثر ارتباطا بتغيير جذري في اساليب القياس والتقييم في قمة جبل اظهار التعلم او المستوى التحويلي.
لقد اشترط الرئيس الامريكي ترامب خلال فترته الاولى ان يجتاز المتقدمون للوظائف الاتحادية اختبارات في المهارات المطلوبة لهذه الوظائف دون شرط حصولهم على الشهادة الجامعية .
ان ماطرحه الرئيس الامريكي ترامب بشان استحقاق الوظائف الاتحادية وشروط شغلها كان ايضا دافعا للكثير من الجامعات لتبنى التعليم القائم على المخرجات ولكنها ظلت تتعامل مع المخرجات كاهداف تدريسية عادية وهذا ما يعني ان الفكرة وجوهرها لا تزال بعيدة عن التطبيق في الكثير من المؤسسات التعليمية على الاقل في جامعاتنا العربية و اليمنية على وجه الخصوص .






