التريث أفضل من التهور الذي قد يكلّفك خسارة كل شيء.
بقلم: المحلل السياسي الشيخ خالد عبدالله العامري
الثلاثاء 9 ديسمبر 2025
من خلال تجربتي المتواضعة في الجانب السياسي والعسكري، ومن خلال الرجوع لتاريخ اليمن قبل الوحدة، وما تعرضنا له من إشاعات عدوانية — وصلت حدّ تكفيرنا والادعاء بعدم وجود مساجد للصلاة، وتشويه تاريخنا في حضرموت على وجه الخصوص — وكأنهم لا يعرفون الحضارم الذين نشروا الإسلام إلى أصقاع العالم عبر التجارة والأمانة.
إن السياسات الخاطئة التي مارسها الحزب حينها، والتصرفات الخاطئة من بعض عناصره، كانت سبباً رئيسياً في هزيمته. وفي النهاية اكتشفوا أننا نحن الجنوبيين أكثر منهم ديناً وحضارة وتاريخاً، رغم القيود التي كانت مفروضة قبل الوحدة. وكانت الوحدة أكثر الشعارات حضوراً والمطالبة بتحقيقها هدفاً وطنياً أساسياً، وفرح الجميع بتحققها، وكبّر اليمن شمالاً وجنوباً، واستبشر المواطن خيراً مقارنة بما كان يحدث في الشمال من تكميم للحريات والمصادرات.
فرحنا سنوات، ثم دخل السياسيون على الخط، لأن لكل منهم هدفاً خاصاً. كلٌّ يستمع للشارع حيناً، ثم ينقلب على الآخر ويقصيه من العمل السياسي، دون إدراك أن الطرف الذي يُراد الانقلاب عليه قد يتوحد مع معارضيه. بينما نحن — الطرف الجنوبي — كنا نتمزق ونختلف ونكبّل المناضلين والحريات، ويزداد تمزقنا، وهذا كان سبب حرب 94 التي انتصر فيها الطرف المتوحد، وبقينا جميعاً نعاني.
لم نجد السياسيين القادرين على احتضان الخلاف وحلّه، وكل حل يُطرح يدخل أصحاب المصالح لإفشاله. وكانت البداية مع المسرّحين في السلكين العسكري والمدني، وآخر الحلول المقدمة كان تقرير باصرة–هلال للرئيس السابق، لكنه أُعيق ولم يُنفذ، واستمر الوضع في التدهور إلى أن وصلنا إلى ما وصلنا إليه، ثم تبعه انقلاب الحوثي.
أصبح كل طرف محسوباً على قوة خارجية، يسيرونه بالريموت، وهم مصدر القرار في الشأن اليمني. والبلد تحت البند السابع. وبعدما وصل الخلاف بين أبناء حضرموت إلى حد الانقسام، وكل طرف مع مكونه، غابت المبادئ والإخلاص، وأصبح كل مواطن يبحث عن مصلحته، تماماً كما كان فريقا السبعين والستين في صنعاء.
وتكررت الحالة نفسها في حضرموت، حتى دخول المجلس الانتقالي على الخط بدعم خارجي، وأصبح النفوذ بيده خارج حضرموت، وبسط سيطرته على الميدان والشارع، ونحن رحبنا بذلك. وكنا نعلم أن الانتصارات تحقق أهدافاً يمنية وخليجية: قطع شريان مرور السلاح والدعم، وإيقاف التمدد الإيراني. وهذا ما جعل طرفاً آخر لا يتحرك إلا لمصلحة أمنه.
لكن إن تهوّر طرف بإعلان الانفصال، فسيُربك المشهد بين المتحالفين الذين يسعون لتصفية خلافاتهم في ليبيا والسودان عبر اليمن، وهذا ما نرفضه جميعاً. والطرف الأقوى بمجرد رنة اتصال من الرباعية وسفرائها سيوقف ويعرقل القرار المنتظر. وحتى لو لم يعترفوا بنا سنظل كـ”القرش” في غرفته يدور بلا فائدة.
ونحن نعرف خلافات السعودية معنا في الجنوب وأين تكمن مصالحهم والجانب الذي يشعرون تجاهه بالخطورة، وكم من الحروب مرت بيننا. وكذلك سلطنة عمان التي أنقذها نظام الشاه بالطيران الحربي إلى جاذب وحوف، ودعمت الجبهة الشعبية لتحرير عمان لإسقاط النظام.
علينا أن نحافظ على ما تحقق، وأن نتحلّى بالدبلوماسية في الوقت المناسب، ثم نعلن ما نريد ونحن ضامنون للمواقف. أما التهور، فسنندم عليه كثيراً.
والله الموفق.






