مبادرة حضرمية جديدة برعاية سعودية: ملامح التحول المفصلي في مستقبل حضرموت
( #تاربة_اليوم ) / كتابات وآراء
كتب : انس علي باحنان
5 ديسمبر 2025
نُشر حديثًا منشور قيل إنه منسوب لصحيفة عكاظ حول مبادرة سعودية مرتقبة تخصّ حضرموت، وبالنظر إلى أهمية ما ورد فيها من بنود وما تحمله من انعطافة مفصلية في مسار حضرموت، فإننا نعيد نشرها مع إيراد تعليقنا عليها بين القوسين. وقد جاءت المبادرة على النحو الآتي:
أولًا: إعادة ترتيب المشهد الأمني في حضرموت
تستهدف المبادرة السعودية معالجة الاختلالات الأمنية عبر إعادة تموضع جميع القوات غير الحضرمية خارج حدود المحافظة، بما في ذلك قوات المجلس الانتقالي الجنوبي والوحدات التابعة للمنطقة العسكرية الأولى. ويأتي ذلك بهدف إنهاء حالة التشابك الأمني وتوحيد القرار العسكري، بما يضمن إدارة الملف الأمني من الداخل الحضرمي وعلى يد أبنائه.
(وهذا عين الصواب ومربط الفرس؛ فبدون إحكام قبضة حضرموت على أمنها ستظل رهينة التجاذبات والصدامات العسكرية المعيقة لاستقرارها، وستُجهض كل جهود ترسيخ السلام فيها وفي اليمن عمومًا. أما إدارة المؤسسات الأمنية والعسكرية بأيدي أبنائها فهو الوضع الطبيعي، فـ أهل مكة أدرى بشعابها. )
ثانيًا: إنشاء قوة حضرمية موحّدة
تنصّ المبادرة على دمج جميع التشكيلات والوحدات العسكرية المنتمية للحضارم في قوة واحدة تتبع وزارة الدفاع، مع منح السلطة المحلية حق القيادة المباشرة عليها. ومن المنتظر صدور قانون منظِّم من مجلس القيادة الرئاسي لمنح هذه القوة صفتها القانونية والمؤسسية.
(لا شك أنّ هذه خطوة مباركة تمهّد لاستقلال القرار الحضرمي وتمنح المحافظة حقها في إدارة شؤونها الأمنية والعسكرية، وهي ركيزة أولى لبسط سيادة القانون وترسيخ هيبة الدولة. وبدون هذا الأساس المتين تبقى كل مشاريع الإصلاح مجرّد أمنيات معلّقة في مهبّ الريح.)
ثالثًا: مراجعة عقود النفط ومنح الحضارم حق الامتياز
تشمل المبادرة إعادة تقييم شامل لعقود الشركات النفطية العاملة في حضرموت، مع منح أبناء حضرموت أولوية الاستثمار والامتياز في قطاع النفط. كما تُلزم الشركات بالتقيّد بالقانون اليمني بما يضمن إدارة شفافة للثروات وحماية موارد حضرموت من الاستنزاف.
(وذاك مطلب طال انتظاره؛ إذ يمنح أصحاب الحق حقهم، ويوقف حضرموت عن أن تكون ساحة صراع على ثرواتها. نحن بحاجة إلى فتح بوابة الاستثمار المحلي أمام رأس المال الحضرمي في الداخل والمهجر، ليكون النفط رافعة تنمية لا مصدر صراع. ومتى تحقق ذلك، سيتنافس رجال المال الحضارم على البناء لا على النفوذ، وعلى التنمية لا على الاستحواذ.)
رابعًا: صيغة حكم ذاتي مؤقت للمحافظة
تطرح المبادرة نموذج حكم ذاتي مؤقت بإشراف الحكومة اليمنية وبرعاية إقليمية، يمنح حضرموت مساحة أوسع لإدارة مواردها وقطاعاتها الحيوية. ويهدف ذلك لبناء نموذج إداري فعّال يراعي خصوصية المحافظة ويؤسس لإدارة مستقلة الرأي والقرار.
(لقد صيغت مشاريع للحكم الذاتي وطرحت رؤى متعددة حوله، وما نحتاج إليه اليوم هو المراجعة والتهذيب والتطوير، ثم الإحالة إلى قوالب دستورية وقانونية راسخة. وقد حان الوقت ليخرج هذا المشروع من الورق إلى واقعٍ يُصان به حق حضرموت في إدارة شأنها.)
خامسًا: حوار حضرمي واسع لتوحيد الموقف
توصي المبادرة بإطلاق حوار حضرمي شامل يجمع القوى والشخصيات المؤثرة بهدف صياغة موقف موحد تجاه مستقبل حضرموت وترتيباتها السياسية والإدارية والأمنية. وهو مسار جوهري لترسيخ وحدة القرار الحضرمي.
(غير أنّ نجاح هذا الحوار يستلزم رعاية جادة وتهيئة مناخ سليم يضمن مشاركة كل الأطراف المؤمنة بقضية حضرموت، دون إقصاء أو تهميش. ويجب أن يُعقد في الداخل الحضرمي، بعيدًا عن أجندات تتقاطع مع مصالح حضرموت وتطلعات أبنائها. فالحوار إن لم يُبنَ على الشفافية والشمولية، فقد يُفرّق أكثر مما يجمع.)
سادسًا: الهدف الجوهري للمبادرة
ترتكز المبادرة على تثبيت الاستقرار في حضرموت ومنع فرض أمر واقع بالقوة، مع تأكيد أن القرار السيادي يجب أن لا يخرج عن أبناء وان يكونوا هم حماة أمنها وحراس ثرواتها وأمناء مؤسساتها.
(ونضيف إلى ذلك ضرورة أن تتضمن أي مبادرة في الشأن الحضرمي ضمان العدل والشفافية والمساواة بين كل فئات المجتمع ، ليكون الولاء للوطن لا للولاءات الضيقة، وتكون مكانة المواطن مرتبطة بعطائه لا بانتمائه السياسي والاجتماعي. فالأوطان تُبنى بالعدل، ويُصان مجدها بالانصاف.)
خاتمة :
إنّ حضرموت اليوم تقف عند مفترق تاريخي يفتح لها باب التحرر من التبعية ويمنحها حقّ بناء مشروعها الوطني الكبير. فإن صدقت الإرادة، واتفقت الكلمة، وتكاثفت السواعد، كان المستقبل للحضرموت أوسع من البحر، وأسمى من الجبل، وأرسخ من الريح مهما اشتدت.
هذا وبالله التوفيق
*`المقالات التي يتم نشرها لاتعبر الا عن راي الكاتب فقط ولا تعبر بالضرورة عن سياسة الموقع`*






