“أنا حر”.. الشعار الذي تحول إلى فخ
بقلم / م. اشرف حيمد قفزان
الثلاثاء 2 ديسمبر 2025
لطالما كانت عبارة “أنا حر” هي الصرخة الأولى للإنسان في وجه القيود، والدافع المحرك لأعظم حركات التحرر في التاريخ. لكن، يبدو أننا في عصرنا هذا، بتنا نشهد أكبر عملية “تزوير” لهذا المفهوم النبيل. لقد تحولت الحرية من “قيمة” ترفع الإنسان وتصقل المجتمع، إلى “شماعة” نعلق عليها كل أشكال الفوضى، التمرد، وحتى الاستبداد.
حين نتأمل واقعنا اليوم، نجد أن مفهوم الحرية قد تمدد بشكل مشوه حتى انفجر، متجاوزاً خطوطاً حمراء لم يضعها الدين فقط، بل وضعها المنطق السليم وأسس العيش المشترك.
لعل أبرز صور هذا التشوه نراها في المشهد الاجتماعي اليومي. حين يتحول التبرج الفادح، أو التشبه المذموم، أو ارتداء ملابس تخدش الحياء العام، إلى مجرد “حرية شخصية”. هنا يغيب عن الأذهان حقيقة جوهرية: الشارع ليس غرفة نومك، والفضاء العام ليس ملكية خاصة.
إن الانسلاخ عن الهوية ومحاولة كسر قيم المجتمع وأعرافه بحجة “الحرية”، ليس إلا تمرداً مراهقاً على الذات. فالمجتمع يحيا بقيمه، وحين يُجاهر البعض بكسر هذه القيم، فهم لا يمارسون حريتهم، بل يعتدون على “حق المجتمع” في الحفاظ على هويته ووقاره. إنها ليست حرية، بل هي فوضى الحواس.
الأخطر من ذلك، هو انتقال هذا التشوه إلى مصير الشعوب. نرى فئات قليلة تقرر وحدها مصير أمة كاملة، وتجرّ شعوباً بأسرها إلى حروب أو قرارات مصيرية تحت شعارات براقة عن الحقوق والحريات.
إن احتكار القرار العام من قبل قلة، وتغييب رأي الأغلبية، هو النقيض التام للحرية؛ إنه “الاستبداد” بعينه. فالحرية السياسية تعني الشراكة والشورى، وحين يُصادر صوت المجموع لصالح رؤية الفرد أو الجماعة الضيقة، فنحن أمام عملية اختطاف لمستقبل الجميع، لا يبررها أي شعار مهما كان نبيلاً.
يجب أن نعيد ضبط بوصلتنا. الحرية الحقيقية هي قرينة المسؤولية؛ هي القدرة على فعل ما “يجب” لا ما “نشتهي”. هي أن تختار الخير لنفسك دون أن تدهس قيم مجتمعك، وأن تقود دون أن تستبد، وأن تدير دون أن تظلم.
كل ما عدا ذلك، ليس حرية.. بل هو اعتداء سافر يرتدي قناعاً جميلاً اسمه “أنا حر”.






