ستون عاماً من الشعارات
بقلم / عيظة الجمحي
الاثنين 1 ديسمبر 2025
ونحن في أفياء ذكرى الاستقلال الجنوبي في الثلاثين من نوفمبر 1967، نستحضر ما أنجزناه في هذه الجغرافيا المنكوبة بعشّاق المرازح والشعارات الجوفاء، أولئك الذين ضحّوا بأفضل القيادات والرجال تحت مسمّيات بلهاء متعطّشة للدماء. ومع كل عاصفة من عواصف اقتتالهم، ترتفع المرازح وتُقرع طبولها، ورغم المآسي تستمر “جوكة المرازح”.
شعبٌ غريب يرقص لجلّاديه، بقيادة عقيمة الفكر، تردّد شعارات قد أكل عليها الدهر وشرب، ولا تُسمن ولا تُغني من جوع.
يقارب عمر تجربتنا السياسية ستين عاماً، وما زلنا نحكم – وأحياناً نحكم أنفسنا – بعقول ضالّة متصحّرة، تفتقد أبسط مقوّمات القيادة الحكيمة، ومع ذلك ننساق خلفها وخلف شعاراتها.
ستون عاماً من الخيبات والانكسار، وما زلنا نرزح في الدائرة المغلقة ذاتها، من دون تفكير أو مراجعة.
ولأننا اعتدنا أن نقول: “في نوفمبر… نوفمبر”، جاءنا هذا العام يحمل لنا الوجع نفسه؛ فلا جديد، بل العكس: من عامٍ إلى عام نرتدّ مئات السنين إلى الخلف.
ورغم كل هذه الخيبات، ترتفع رايات نوفمبر، بينما نعيش واقعاً أتعس مما كان قبل 67. والطامة الكبرى أن الواقع المعيش أصبح كارثياً، ليس فقط في مستوى الخدمات، بل وصل إلى حدود السيادة وتفكيك النسيج الاجتماعي، وظهور الميليشيات وملشنة الدولة، وانتشار مظاهر الفوضى، حتى أصبح الاقتتال الداخلي مألوفاً، وغياب العدالة والقانون أمراً سائداً، والظلم منتشراً، وكل شيء ينهار… ومع ذلك لا نزال نرقص ونفرح ونحتفل وكأننا شعب مترف.
الخلاصة: نحن شعب غريب!
بالأمس رفعنا شعار “تخفيض الراتب واجب”، واليوم، ونحن بلا سيادة ولا كرامة، ما زلنا نرقص ونرفع الشعارات في مواسمنا الوطنية والثورية.
ومن أشد مآسي واقعنا أننا أصبحنا بلا قيادة واعية؛ بل قيادة مضمحلة الفكر، مشلولة الحرية والحركة، لا تتحرك إلا بالريموت.
آه يا نوفمبر… لقد أوجعتنا ذكرياتك، وحاضرنا تعيس. فلماذا المرازح والشعارات؟ إنه الغباء المدفوع الأجر… وكفى.






