حضرموت بين نار التحشيد وقوة المقاومة… معركة السيادة ورفض التبعية .
بقلم : م . لطفي بن سعدون الصيعري.
الاحد 30 نوفمبر 2025
أظهر المجلس الانتقالي الجنوبي وجهه التسلطي القبيح ضد حضرموت ومكوناتها الحضرمية المستقلة، وخاصة حلف وجامع حضرموت الذي يتزعمهما الشيخ عمرو بن حبريش. وقد بدا ذلك جلياً من خلال التصعيد العسكري والإعلامي والتحشيد الجماهيري للموالين له، وتمثل ذلك في تصريحات وتحركات واستفزازات قائد ما يسمى بـ”الدعم الأمني” أبو علي الحضرمي ، ضد مواقع وأنصار الحلف في العكدة وغيرها، ثم تصاعد لاحقاً باستقدام آلاف الجنود والقيادات العسكرية من عدن باتجاه حضرموت ، وتمركزها في الشحر ونقاط التماس مع قوات حماية حضرموت ومناصري الحلف في شرق المكلا وفي هضبة حضرموت.
لقد وصلت الأزمة إلى ذروتها، وتبدو قابلة للانفجار في أي لحظة.
إن هذه التصرفات الطائشة التي يمارسها غلاة الانتقالي في حضرموت ، تكشف بوضوح عقليته القائمة على الهيمنة والإقصاء، بعيداً عن كل شعاراته الديماغوجية التي يضلل بها الشارع ، بأنه يحترم مطالب الحضارم وحقوقهم. فالانتقالي اليوم يعرّي نفسه ويكشف حقده الدفين تجاه تطلعات أبناء حضرموت ، في استقلال قرارهم وسيادتهم على أرضهم وثرواتهم . إلا أن أحلام السيطرة على حضرموت لن تتحقق، فقد شبّ الحضارمة عن الطوق، وترسخت في وجدانهم روح الاستقلال ورفض الوصاية، وهم أكثر جاهزية من أي وقت مضى ، للذود عن أرضهم ودحر أي قوة معتدية تسعى لفرض مشروعها بالقوة.
ولقد شكل التحشيد العسكري للانتقالي، مشروع غزو مكشوف فالمعلومات الميدانية والوقائع التي نقلتها المصادر الإعلامية المحلية و الدولية – ومنها وكالة رويترز – تؤكد أن الانتقالي دفع خلال الأسابيع الماضية بتعزيزات عسكرية ضخمة إلى حضرموت وتمركزت في المكلا والشحر، ومناطق التماس شرق المكلا وفي الهضبة .
هذا التحرك ليس مجرد إعادة انتشار… بل محاولة واضحة لبسط السيطرة بالقوة، وتسلم المواقع الحساسة، وإقصاء وتهميش لقوات وقيادات النخبة الحضرمية ، وينظر الحضارمة لذلك بأنه “احتلال صريح”.
وتزامن التحشيد العسكري مع تحريض إعلامي وتحشيد جماهيري فج لأنصارهم ، كما هو الحال في فعالية راس حويره وسيؤن ، بهدف خلق حالة تعاطف شعبي وتوظيفها لتمرير مشروع السيطرة.
وفي مقابل التحشيد العسكري الانتقالي، شهدت حضرموت وحدة واصطفافاً غير مسبوقين، ويمكن تلخيص معالم المواجهة و الرفض الحضرمي في الآتي:
1. اجتماع هضبة العليب – نقطة التحول التاريخية :
اجتماع الحلف في 27 نوفمبر 2025م والذي حضره الآلاف من المشايخ والقبائل والمجتمع المدني والقيادات العسكرية ، شكّل لحظة فارقة؛ حيث أعلن:
●تفويض كامل لقوات حماية حضرموت.
إعلان أي تواجد عسكري خارجي “قوة غازية”.
●رفع الجاهزية القصوى والاستنفار القبلي والمدني وتشكيل المقاومة الشعبية الحضرمية.
●تشكيل غرفة عمليات موحدة.
لقد مثّل هذا الاجتماع أكبر إجماع قبلي مقاوم في تاريخ حضرموت الحديث.
2. مواقف المكونات السياسية والقبلية والمدنية والراي العام الحضرمي والوطني :
إجمعت كل المكونات السياسية والقبلية والمدنية الحضرمية على رفض هذا الاجتياح الانتقالي لحضرموت بالقوة ، واصدرت بياناتها المنددة ، وأكدت رفضها لاي تواجد خارجي في حضرموت واستعدادها لمجابهته ودحره بكل ماتمتلك من قوة واوضحت موقفها كمايلي :
●ما يجري محاولة لإفشال المطالب ضالحضرمية.
●التصعيد استهدف تعطيل التجنيد والملفات الخدمية وبقية الإستحقاقات الحضرمية .
●رفض مواقف أطراف في السلطة المحلية تعمل بالتنسيق مع الانتقالي.
●تنفيذ استحقاقات حضرموت هو مفتاح الحل.
اما بالنسبة للرأي العام الشعبي فقد اشتعلت مواقع التواصل الاجتماعي بالإستياء والرفض القاطع ، لمحاولات الانتقالي لاخضاع حضرموت بالقوة، واستقدام الالف المقاتلين من خارجها ، وراينا مئات الشباب وهم يهتفون (ارحلوا يااحتلال) في وجيه الجنود القادمين . وراينا كثيرا من أبناء شبوة وبقية الجنوب واليمن يدينون هذا التصرف الأرعن تجاه حضرموت ، و يحذرون أبناء مناطقهم من مغبة الانخراط في مواجهة مع الحضارم، والسقوط في المستنقع الحضرمي، وأكدوا أن حضرموت ليست ساحة سهلة، وأن أي اعتداء عليها قد يتحول إلى كارثة فعلية.
لكل ذلك فان حضرموت لابد لها ان تحشد كل طاقاتها لدحر العدوان وهي تسير على هذا النهج منذ فترة مبكرة ، وتمتلك كل مقومات الإنتصار ، ويمكن ملاحظة ذلك من خلال :
1. التفويض الشرعي للحلف :
قوات حماية حضرموت وقوات الإسناد القبلي والمجتمعي ، أصبحت القوة المخولة شعبياً وقبلياً بالتصدي لأي اعتداء.
2. وحدة الصف:
لم تتوحد حضرموت بهذا الشكل منذ عقود؛ ساحل ووادي وصحراء… قبائل وحضر… نخب ومجتمع مدني.
3. قوة الردع القبلي:
حضرموت تضم عشرات القبائل الكبيرة المسلحة التي تمتلك خبرة قتالية وصموداً عالياً؛ وهي قوة يصعب مواجهتها ميدانياً.
4. تفوق حضرموت من خلال،
امتداد الأرض، وعورة الهضبة، وطول خطوط الإمداد كلها تصب في صالح الحضارم.
5. اتساع التمويل والإمداد الحضرمي في الداخل والخارج:
رجال الأعمال الحضارم في الداخل و المهجر يمثلون احتياطاً قوياً لدعم أي مواجهة.
6. الوعي الشعبي:
الحضارم حاليا أصبحوا يدركون ، أن أي تهاون قد يحولهم إلى ضحية مشاريع الغير، ولذلك فإن استعدادهم هذه المرة مختلفاً جذرياً.
7. الموقف الإقليمي والدولي :
الرافض لاي تصعيد عسكري في حضرموت باعتبارها ، المنطقة شبه المستقرة ، مقارنة ببقية المناطق المجاورة، وكونها الرئة الإقتصادية لبقايا الدولة الحالية ، ولتقاطع المصالح الاقليمية والدولية في حضرموت ، والمنطقة الأكثر واعدة في عموم اليمن ، ولموقعها الجيوسياسي المتميز مع المملكة وعمان والمحيط الهندي .
ولقد بات واضحا ان الانتقالي قد حشد قواته المدججة بالسلاح لحسم المعركة سريعا في حضرموت، مدعوما من قوة اقليمية ، وكان واضحا انه يريد ان يبدا بضربته الحاسمة الخاطفة ، لإسقاط الحلف وقوات حمابة حضرموت عسكريا ، قبل ان تتدخل القوى الاقليمية والدولية لوقف النزاع .لكن الحلف كان متنبها لمثل هذا التكتيك فابتدأ ضربته الخاطفة الإستباقية ، بالسيطرة على مواقع شركة بترومسيلة الإستراتيجية ، وقد حقق بذلك تفوقا استراتيجيًا ، سياسيا واقتصاديا وعسكريا وامنيا ، على خصمه الانتقالي ، وسنتناولها بالتفصيل في مقالتنا القادمة . وهي تستهدف أيضا قطع الطريق امام اي محاولات انتقالية لبدء هجومه ، وللتعجيل بالتدخل الاقليمي والدولي لنزع فتيل الأزمة وجلوس المتصارعين للحوار بدلا من التصعيد العسكري .
خلاصة وتحليل ختامي
●حضرموت اليوم ليست حضرموت الأمس.
هي اليوم في أوج وعيها وقوتها وتماسكها، وأكثر استعداداً للدفاع عن سيادتها من أي وقت مضى.
●المجلس الانتقالي ارتكب خطأً استراتيجياً بمحاولة إخضاع حضرموت بالقوة، فواجه رفضاً داخلياً هائلاً، وتوحيداً للصف الحضرمي لم يسبق له مثيل، ووعياً شعبياً يدرك أن مستقبل حضرموت مرهون بحماية استقلال قرارها.
والمعادلة الآن واضحة:
حضرموت لن تُحكم من خارجها،
وأي قوة تقترب منها ستُواجه كقوة غازية،
وقرار الحضارم اليوم بيدهم وحدهم.
وما أعلنته العليب ليس مجرد بيان… بل إعلان مرحلة جديدة عنوانها:
حضرموت أولاً… حضرموت أقوى… حضرموت لن تنكسر.






