اعلانك معنا تحقيق اهدافك التجارية وزيادة مبيعاتك
ابحث في الموقع
تاربة اليوم - الموقع الإخباري اليمني

السعودية ودورها في الأوطان العربية : ثقل سياسي يتجدد ورؤية تعيد تشكيل المنطقة

السعودية ودورها في الأوطان العربية : ثقل سياسي يتجدد ورؤية تعيد تشكيل المنطقة

بقلم / مسلم الجعيدي
الاحد 23 نوفمبر 2025

في عالم عربي لم يهدأ منذ عقود، برزت المملكة العربية السعودية لاعبًا مركزيًا في معادلة الاستقرار الإقليمي. ليست المملكة مجرد دولة ذات ثقل اقتصادي أو ديني، بل أصبحت اليوم محورًا ترتكز عليه الحسابات العربية في كل ما يتصل بالأمن والتنمية والسياسة. ومع تسارع التحولات الإقليمية والدولية، بات من الواضح أن الدور السعودي لم يعد يقتصر على ردّات الفعل، بل أصبح دورًا مبادرًا يعيد تشكيل اتجاهات المنطقة.

من يتتبع التحركات السعودية في السنوات الأخيرة يدرك أن الرياض تبنّت مقاربة جديدة في التعامل مع الملفات العربية، مقاربة تقوم على الاستباق بدل الانتظار، وتهدئة النزاعات بدل إدارتها. صحيح أن المملكة حافظت دائمًا على سياسة خارجية متزنة، لكن خصوصية المرحلة الحالية فرضت عليها أن تجمع بين الواقعية السياسية والطموح الاستراتيجي، وهو ما ظهر في سلسلة من المبادرات المرتبطة بالتسويات السياسية، وبلقاءاتها رفيعة المستوى التي أعادت ترتيب أولويات المنطقة.

السعودية — بطبيعة موقعها وحجم اقتصادها — كانت دائمًا مرجعًا اقتصاديًا للدول العربية، لكن التحول النوعي اليوم يتمثل في سعيها إلى بناء شراكات تنموية طويلة المدى بدل الاكتفاء بالدعم المرحلي. فالاستثمارات السعودية الممتدة في قطاعات الطاقة والبنى التحتية والتطوير الحضري في عدد من الدول العربية، تعكس رغبة واضحة في خلق بيئة عربية قادرة على النهوض الاقتصادي وليس مجرد تجاوز الأزمات.

وما يعزز هذا الدور أن المملكة لم تنظر إلى أزمات المنطقة بعيون سياسية فقط، بل تبنت البعد الإنساني بوصفه عنصرًا ثابتًا في سياستها. فبرامج الإغاثة الممتدة، وحضور مركز الملك سلمان للإغاثة في معظم مناطق الصراع العربي، تؤكد أن السعودية ترى في الاستقرار الإنساني مدخلًا أساسيًا لأي استقرار سياسي.

لكن ما يميز المرحلة الراهنة حقًا هو أن السعودية باتت تقدم نفسها بوصفها قوة عربیة مؤثرة في صياغة المستقبل. ومع انطلاق رؤية 2030، تحولت المملكة إلى نموذج تنموي جاذب، تحاول من خلاله نقل خبرتها إلى المجال العربي عبر مشاريع تعاون إقليمي أوسع تشمل الطاقة المتجددة، الأمن الغذائي، تطوير البنية التحتية، والتكامل الاقتصادي.

في الوقت ذاته، أدركت السعودية أن المنطقة تقف على حافة تغييرات غير مسبوقة، وأن التوازنات القديمة لم تعد صالحة. لذلك اتجهت إلى صياغة شبكة علاقات إقليمية أكثر توازنًا، تتجنب الصدام، وتُبنى على المصالح المشتركة وضرورات الاستقرار. وقد انعكس ذلك في مواقفها من الملفات المعقدة، حيث حافظت على خطاب هادئ، ورفعت منسوب الدبلوماسية بدل التصعيد.

إن الدور السعودي في الأوطان العربية اليوم ليس دورًا سلطويًا أو وصائيًا؛ بل هو دور دولة تدرك أن قوتها الحقيقية تتعاظم حين تكون المنطقة من حولها أكثر استقرارًا وأقل عرضة للاهتزاز. ومن هنا، تبدو المملكة — رغم كل التحديات — لاعبًا لا غنى عنه في معادلة الشرق الأوسط، ليس فقط لأنها دولة مركزية، بل لأنها دولة تملك رؤية وتسير بثقة نحو أهداف واضحة.

ولقد كانت زيارة صاحب السمو الملكي ولي العهد محمد بن سلمان لأمريكا تحمل الكثير من القضايا العريية وفي مقدمتها قضية السودان وسوريا وفلسطين .

وبين الرغبة في حماية الاستقرار العربي، والسعي لبناء فضاء تنموي جديد، تبدو السعودية اليوم أمام مرحلة تعزز فيها قيادتها الإقليمية، وتبرهن فيها أن الدور العربي لا يصنعه حجم الدولة فحسب، بل تصنعه قدرتها على التأثير… وقدرة السعودية تبدو اليوم أكبر من أي وقت مضى.

إغلاق