اعلانك معنا تحقيق اهدافك التجارية وزيادة مبيعاتك
ابحث في الموقع
تاربة اليوم - الموقع الإخباري اليمني

منارات التعلم والتنشئة الصحيحة وبناء الأجيال !!!

منارات التعلم والتنشئة الصحيحة وبناء الأجيال !!!

بقلم : م . لطفي بن سعدون الصيعري.
الثلاثاء 18 نوفمبر 2025

الأطفال هم رصيد الأمة ومستقبلها المشرق، وبقدر ما نولي عناية بتنشئتهم، بقدر ما نضمن صلاح مجتمعنا ورفعة أوطاننا. وفي خضم التحديات المعاصرة وإغراءات العصر الرقمي، يظل المسجد هو البيئة الأفضل والأكثر نقاءً التي تهيئ هذه التنشئة الإسلامية الصحيحة، ليصبحوا جيلاً قوياً، مقتدراً، ذا نبوغ وتفاعل إيجابي، يسهم بفعالية في بناء وطنه.
وتعد هذه الظاهرة، المنتشرة في معظم مساجد حضرموت وكل البلدان الإسلامية، امتداداً لتقليد إسلامي راسخ منذ العهد النبوي على صاحبها أفضل الصلاة والتسليم .
إن ما يجري في مسجد البركة المبارك بوحدة باجبير في حي الصديق بالمكلا، حيث يتجمع عشرات الأطفال والفتية بين المغرب والعشاء، ما هو إلا مثال حي ونموذج مضيء لهذه الظاهرة التربوية العريقة. يجلس هؤلاء الصغار في حلقات مباركة حول مشايخهم ومربيهم – أمثال المشايخ باشافعي، وفكري، والحامدي، وأبو عبدالقادر وغيرهم – لا لحفظ القرآن الكريم فحسب، بل لـتفهم تلاوته، وترتيله، واستيعاب معانيه السامية. هذا التقليد، الذي نرى أنه ليس محصوراً في هذا المسجد فحسب بل يزدهر في بقية مساجد حضرموت وعموم البلاد الإسلامية، يمثل امتداداً لـمنهج تربوي نبوي بدأ منذ فجر الدعوة المحمدية.
لقد كانت حلقات العلم والقرآن في المساجد هي المنبع الذي خرج منه ملايين الحفاظ، والمشايخ، والعلماء في كافة مناحي الحياة الدينية والدنيوية. إن انضباط التلاميذ في هذه الحلقات ليس مجرد حفظ آيات فقط، بل هو ترسيخ لقيم أساسية: حب التعلم، الانضباط الذاتي، المثابرة، التفكر، والثقة بالنفس وإعداد القادة. هذا الانضباط الروحي ينعكس بالضرورة على انضباطهم في مدارسهم الدنيوية، وفي مجتمعهم، وداخل أسرهم. وبذلك، ينشأ جيلاً فاعلاً، متوازناً، محصناً ضد الانحرافات الأخلاقية وأغواءات أدوات التواصل الإعلامي السلبية، والمخدرات، والخروج عن أخلاق الإسلام والفطرة السوية. إنها ظاهرة صحية، بل حصن منيع، يجب إبرازه ودعمه.

تتجاوز حلقات تحفيظ القرآن مجرد تعليم القراءة والكتابة لتصبح منظومة تربوية متكاملة تستهدف القلب والعقل والسلوك تتمثل في:

1. الأثر الروحي والعقلي:


●تغذية الروح والاستنارة العقلية: حفظ القرآن يرسخ العقيدة ويقوي الصلة بالله. ●دراسة المعاني والترتيل تفتح آفاقاً للتفكر وتطور مهارات الفهم العميق والتدبر.
●تقوية الذاكرة واللغة: الحفظ المنتظم ينشط الذاكرة، ويحسن مهارات اللغة العربية الفصحى لدى الطفل، مما يؤثر إيجاباً على تحصيله في جميع المواد الدراسية الأخرى.

2. الأثر السلوكي والاجتماعي:


● الانضباط والتحمل: الالتزام بمواعيد الحلقات والمراجعة اليومية يغرس قيمة الانضباط والمثابرة، وهي من أهم مقومات النجاح في الحياة.
● احترام العلم والعلماء: الجلوس بين يدي المشايخ والمربين يعلم الأطفال الأدب، والتواضع، واحترام الكبير، ويخلق قدوات إيجابية في حياتهم.
● بناء المجتمع المسجدي: تُنشئ الحلقة شعوراً بالانتماء إلى بيئة صالحة متآلفة، بعيدة عن الفردية والعزلة، مما يعزز التفاعل الإيجابي والتعاون بين الأقران.

3. التحصين ضد الانحراف:


●حصانة أخلاقية: القرآن بآدابه وأحكامه يمثل دستوراً أخلاقياً متكاملاً يحصن الطفل من آفات العصر مثل التطرف، المخدرات، الانحلال، والتعلق السلبي بمحتوى الإعلام الجديد.
●الثقة بالنفس والفعالية: التلميذ الذي يحمل كتاب الله في صدره يشعر بـالثقة بالنفس والاعتزاز بالهوية، مما يجعله عنصراً فاعلاً وإيجابياً في مجتمعه.

ولتحويل هذه الظاهرة من تقليد محمود إلى مشروع تنموي مجتمعي مستدام، يجب تكاتف الجهود من خلال:

1. دعم التجار والقطاع الخاص:


●الوقف التعليمي (استدامة مالية): تأسيس صندوق وقف خيري خاص بحلقات تحفيظ القرآن، يضمن رواتب ثابتة ومحفزات للمدرسين والمشرفين لـالاستقرار المهني.
● توفير الإمكانيات اللوجستية: تمويل إنشاء مرافق نموذجية ملحقة بالمساجد (قاعات مكيفة، مكتبات صغيرة، أدوات سمعية بصرية حديثة) لتوفير بيئة تعلم جاذبة ومريحة.
□ جوائز ومكافآت: تخصيص جوائز قيمة (رحلات علمية، أجهزة لوحية، منح دراسية) للمتفوقين لتعزيز التنافس الإيجابي.

2. دور المكونات والنخب والمؤسسات:


● الدمج الأكاديمي: على النخب التعليمية العمل على إيجاد آلية للاعتراف بشهادات الحلقات رسمياً، كإضافة نوعية للسيرة الذاتية للطالب عند التقديم للجامعات أو الوظائف.
●تأهيل المربين (جودة التعليم): تنظيم دورات تدريبية متقدمة للمشايخ والمدرسين في طرائق التدريس الحديثة، وعلم النفس التربوي للطفل، ومهارات التواصل، لضمان جودة المخرجات.

3. الإبراز الإعلامي والمجتمعي:


●التوثيق والاحتفاء: إنتاج مواد إعلامية وإخبارية (مقالات، فيديوهات قصيرة، أفلام وثائقية) تبرز قصص نجاح الأطفال، وجهود المشرفين، وتأثير المسجد على الحي.
● الشراكة المجتمعية: تنظيم حفلات تكريم دورية على مستوى الحي والمدينة، يدعى إليها أولياء الأمور، التجار، والمسؤولون، لتسليط الضوء على الإنجاز وإشراك الأسرة والمجتمع بشكل أوسع.
● نشر النماذج الإيجابية: إبراز نماذج من الخريجين الناجحين في تخصصاتهم الدنيوية والدينية، للبرهنة على أن القرآن لا يعطل الدنيا، بل يباركها وينظمها.
هذه الظاهرة هي استثمار حقيقي في الإنسان، وهي مسؤولية مشتركة. بدعمها وتعزيزها، نضمن لبلادنا جيلاً مؤمناً، منضبطاً، متعلماً، قادراً على القيادة والتنمية.

إغلاق