نقابة «أنا معلم»… من تمثيل المعلّم إلى خذلانه!
( #تاربة_اليوم ) / كتابات وآراء
كتب : انس علي باحنان
13 نوفمبر 2025
إن صحّ الخبر — من صدور بيان عن نقابةِ ما تُسمّى «أنا معلم» المشبوهة، وتُعدُّ من نتائج إضراب المعلمين الضخمة « انه سوف يتم اعتراف المحكمة بشرعيتها» — فهذه مهزلة. هذه نقابة لا ينبغي، ولا يمكن أن تكون ممثلاً لنا كمعلمين. مصير هذه النقابة هو أن تُحال إلى المحاكمة على مشاركتها في ضياع مستقبل أبنائنا من خلال إضاعة أشهرٍ من مقرراتهم الدراسية، ثم، بكلِّ برود أعصاب ودم بارد، تُعلن رفع الإضراب دون فائدة. يا له من أمرٍ مستغرب! أَوصل بنا الاستهتارُ وعدم الخشية من الله إلى هذا الحد؟ والله لن يدعهم الله وشأنهم، ولا الذي يقف خلف مخططاتهم. أما نحن فنبريء إلى الله العزيزِ المتعال من هذه التصرفات التي لا تصدر إلا من أمثال هولاء الذين لا يشعرون بالأمانة ولا بالمسؤولية.
هل يقبل زملائي المعلمون هذه الإهانة والاعتراف بأن هؤلاء هم ممثلوهم؟ هل يقبلون الاستجابة لبيانٍ يرفع الإضراب في ظلِّ ظروف المعلم الصعبة، والتي كانت قاصمةَ الظهر إيقافُ صرفِ مرتبه لشهرين كاملين بدلاً من صرف حقوقه؟ لا أعتقد أن ذا بصيرةٍ أو ذرةَ ضميرٍ يقبل بهذا.
اتّضحت لنا الآن اللعبة بكلِّ جلاءٍ: هناك من يريد الإساءةَ للمعلمِ وللتعليم، ولا يهمّه مستقبلُ أولادنا وضياعُهم. حسبنا الله ونعمَ الوكيل فيهم، واللهُ ينتقم منهم عاجلاً غير أجل.
صبرنا وتحملنا ونحن نرى أولادنا يَفتقدون مقرراتَهم الدراسية يومًا بعد يوم؛ وكان ذلك يَحزُّ في نفوسنا ويبعث الحزنَ والأسى. لكن قلنا: نصبر، فإن بعد العسر يسراً، ومع الصبر النصر. لم نَرَ مشكلةً — ولو ضاع عليهم عامٌ دراسي — إذا كان في ذلك نصراً يعقبه خيرٌ وغدٌ مشرق، بإذن الله، يسوده العدل والمساواة والكرامة وحفظُ الحقوق. فلا يظنّ من يريد أن يخذل المعلمَ وأبناؤه أنه سينجح في مسعاه؛ بل هو أولُ من سيكتوي بنار الإهمالِ والمهانة. إنه يُعلم أولاده قبل غيرهم درسًا عمليًا وبليغًا في الاستكانة والخضوع والذلّ؛ فكيف يرضى أحدٌ بأن يُسلبَ أعزّ ما له بهذه المهانة؟
إلى هؤلاء الذين يسمون أنفسهم تربويين ومعلمين ونقابيين نقول: لماذا قبلتم بالإضراب إذا لم تستمرُّوا فيه إلى أن تتحققَ جميعُ المطالب كاملةً غير منقوصة؟ ألم تتعضّوا في المرة الأولى أو الثانية أو الثالثة؟ أم أن لكم حساباتٍ أخرى على حسابِ المعلمِ وكرامته ومستقبلِ أولاده؟ إن وراءَ الأكمةِ ما وراءها، والله وحدهُ مطلعٌ على السرائر. ربي ليس في نصرة الظالم؛ بل يمهله، وإذا أخذه أخذه اخذ عزيزٌ مقتدر. نحن حقًا نعيش فتنًا في آخرِ الزمانِ تدعُ الحليمَ خيرًا؛ افهكذا تُورد الإبل؟
إن كان لنا مطلبٌ، فهو اننا نطالب المحاكم الشرعيةَ بعدم الاعترافِ بنقابة «أنا معلم» أو بمن على شاكلتها ودار في فلكها بثمثيل المعلم، بل نطالب بتقديمِ هذه النقابةِ ومن سارَ في مسارها، وكل من شارك في الإساءةِ إلى المعلمِ والتعليمِ وهضم حقوقه، إلى العدالة إن وُجدت عدالةٌ ترفعُ الظلمَ عن مستقبل أبنائنا، بعد ان تحققنا من أنها تُعلَن الإضراباتُ في كلِّ مرةٍ ثم ترفعها بعد شهرٍ من ضياع مقرراتِ أبنائنا الدراسية دون تحقيق أيِّ من مطالبِ المعلمين. لسنا في درجةِ السذاجة التي تَرضى بمقدماتٍ مديحٍ رتيبةٍ في كلِّ بيان: «نشكر تضحياتكم وصبركم» وهلمّ جرًّا من الكلام الفارغ — لسنا في حاجةٍ إلى ذلك. بل نقول: لا شكرَ الله سعيَك، ولا بارك الله في خطاك. ونسألُ الله بقدرته وعزته أن ينتقمَ من كل من يخذلُ المعلمَ ويسعى لضياعِ مستقبلِ أولاده.
كما نطالبُ كلَّ المنظماتِ الحقوقيةِ وكلَّ فئاتِ المجتمعِ، ومن في قلبه ذرةُ ضميرٍ، بالوقوفِ إلى جانبِ المعلمِ حتى يُنالَ حقُّه ويستعادُ لهُ اعتباره وكرامتُه. فإن لم يحدث ذلك، فليعلم الجميع أن ذلك سينعكسُ على أبنائنا جميعًا؛ فلا يمكن لمعلمٍ مُكسورِ الجناحِ ومُهدرِ الكرامةِ أن يُربّي أو يُعلّمَ بإخلاصٍ وتفانٍ أو يكونَ قدوةً لغيره. هذا هو الهدمٌ للتعليمِ وتدميرٌ للقيم — فهل نسمحُ بذلك؟ أن لم نقف وقفةَ جِدٍّ لوقف هذا العبث فلا نلوم الا انفسنا.
اللهم إنا بلغنا — اللهم فاشهد. وربنا لا تُواخذنا بما فعل السفهاء منا.
*`المقالات التي يتم نشرها لاتعبر الا عن راي الكاتب فقط ولا تعبر بالضرورة عن سياسة الموقع`*






