شباب اليوم .. يطاردون المظهر .. وينسون الجوهر!
بقلم / أ. علي عباس بن طالب
الأربعاء 12/ نوفمبر / 2025م.
▪️طلب مني أحد الإخوة أن أسلط الضوء على ظاهرةٍ مؤسفة، انتشرت بين أوساط كثيرٍ من شباب اليوم، إلا من رحم الله، ظاهرة غريبة، محزنة، ومؤلمة في معناها قبل مظهرها!
شباب في ريعان عمرهم، بدل أن يصنعوا مجدهم بالعلم والعمل والخلق والرجولة، صاروا يصنعونه بكريمات وتشقيرات وصنفرات .. يدهنون وجوههم بالكريمات، ويغسلون ملامحهم بالدهانات،ويضعون “المبيّضات” كأنهم في سباقٍ مع البنات .. يبحثون عن وجهٍ ناعمٍ كالمرايا، ونسوا أن الرجولة لا تُقاس بنعومة الوجه، بل بخشونة المواقف وقوة المبدأ!
أيها الشباب .. أما آن لكم أن تدركوا أن الرجولة ليست لون بشرة، بل نقاء سريرة؟ وليست ملامح وجه، بل مواقف وجهة؟ إنها خلقٌ وثباتٌ ومروءة، وليست صالونًا تجميليًا ومرايا مصطنعة!
تُرى، بأي وجهٍ يرضى الشاب أن يخرج للناس وقد مسح عن وجهه ملامح الرجولة ليبدو كالمغريات التي تراها الشاشات؟ بأي فكرٍ نُربي جيلاً يقضي ساعاته في تبييض وجهه بدل تبييض سيرته؟ وفي صنفرة جلده بدل صنفرة قلبه من الذنوب؟
أين ذهب ذاك الزمن الذي كان الشاب يُعرف بخشونة كفه من أثر العمل وبسواد جبينه من أثر السجود وبلمعان عينه من صدق الهمة والطموح؟ أما اليوم فصرنا نرى شباباً بوجوه لامعة، وقلوب باهتة، وعقولٍ تائهة بين المظاهر!
أيها الشاب .. اعلم أن البنت التي تُعجب بوجهك لن تصبر على فراغ عقلك، وأن التي تُفتن ببشرتك ستملّ من سطحيتك، فاجعل جمالك في خُلقك، ورجولتك في أفعالك، ووسامتك في صدقك.
قال رسول الله ﷺ:
“إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم.”
يا للأسف .. صرنا نرى من يتباهى ببياض بشرته أكثر من بياض قلبه .. من يهتم بملمسه أكثر من معدنه .. ومن يريد أن يُغري البنات بجمالٍ زائف، بدل أن يُغري الملائكة بأخلاقٍ صادقةٍ طاهرة.
أيها الشاب .. أأعجبتك المظاهر فنسيت الجوهر؟ أتتزين للبشر وتنسى خالق البشر؟ أتظن أن الرجولة تُباع في عبوة كريم أو تُقاس بدرجة بياض وجهك؟ والله إن جمال الوجه بلا رجولة كزهرٍ بلا عطر، وإن لمعان البشرة لا يساوي شيئًا أمام نور التقوى والإيمان!
يا من صنفرت وجهك لتبدو جميلاً، هل صنفرت قلبك من الذنوب؟ يا من دهنت بشرتك لتخفي العيوب، هل دهنت ضميرك بالتوبة ليزول ما في داخلك من صدأ؟ما أقسى أن ترى شبابًا يضيعون أعمارهم أمام المرايا، ولا يقفون يومًا أمام مرآة قلوبهم .. يبحثون عن نظرة إعجاب من فتاة، ولا يبحثون عن نظرة رضا من الله!
إن الجمال الحقيقي ليس في الملامح، بل في المواقف ،ليس في البشرة، بل في البصيرة، ليس في اللون، بل في السلوك.
“إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ”
ولم يقل: أجملكم، ولا أنعمكم، ولا أبهى بشرتكم!
يا شباب الأمة .. عودوا إلى رجولتكم التي ضاعت بين عبوات الكريمات ومساحيق الزينة، عودوا إلى حيائكم، إلى نخوتكم، إلى قيمكم التي كانت ترفع الرأس.
فالرجولة ليست مظهرًا، بل موقفٌ وشهامةٌ وخلقٌ وإيمان ، ومن أراد أن يكون جميلًا في أعين الناس فليُجمل قلبه في عين الله، فذلك الجمال الذي لا يزول ولا يُغسل بصنفرة ولا يُمحى بكريم.






