الثروة المهدرة.
بقلم / مبارك محفوظ باخريصة.
الثلاثاء 11 نوفمبر 2025
في مساءٍ هادئٍ بعد صلاة المغرب، وبينما كنت في طريقي نحو منطقة أخرى ، لفت انتباهي مشهدٌ يتكرر في كل حيٍّ أمرُّ به… حلقاتٌ من الشباب والرجال على الأرصفة وفي الساحات، أحاديث متناثرة، ضحكات متقطعة، وساعاتٌ تمضي من أعمارهم، مشهدٌ مألوف، لكنه مؤلم، ترى ثروة ـ لا تقدر بثمن ـ تبدد وتهدر فيما لا نفع فيه، أعمارا تتسرب من بين الأصابع، في أحاديث لا تُغني ولا تُثمر، وربما تجرّ الوزر إن خالطتها غيبةٌ أو نميمة.
إن الوقت ليس مجرد لحظاتٍ تمضي، بل هو رأس مالك الحقيقي، وهو أغلى ما تملك من ثروة . أقسم الله به في كتابه في مواضع عديدة فقال: ﴿وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ﴾
وقال النبي ﷺ: «نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ».
كل لحظةٍ تمرّ لا يمكن أن تُستعاد، وكل دقيقةٍ تُهدر هي جزء من عمرك يُنتزع منك دون عودة.
ساعتان يوميا كيف يمكن أن تصنع الفرق؟
في ساعتين فقط يمكنك أن:
_ تراجع جزءًا من القرآن الكريم،
تقرأ فصولًا من كتابٍ نافع. تمارس رياضة تُنعش جسدك.
تتعلم مهارةً تفتح لك باب رزقٍ جديد. تقضي وقتًا بنّاءً مع أسرتك وأبنائك.
لكن حين تمضي ساعتان يوميًا في أحاديثٍ فارغة، فإنها خلال عامٍ واحد تتحول إلى أكثر من 700 ساعة ضائعة، أي ما يعادل شهرًا كاملًا من حياتك بلا ثمر!
قال الحسن البصري رحمه الله: “يا ابن آدم، إنما أنت أيام، فإذا ذهب يومك ذهب بعضك.”
وقال عمر بن عبدالعزيز: “الليل والنهار يعملان فيك، فاعمل أنت فيهما.”
ليس المقصود أن نعتزل الناس، فالتواصل والأنس بالأصدقاء نعمة، لكن الإسلام علّمنا أن خير الأمور أوسطها. فاجعل لمجالسك قيمة، ولأحاديثك هدفًا، ولوقتك معنى.
وتذكر قبل أن تجلس الساعتين القادمتين في حديثٍ لا يزيدك إلا فراغًا، تذكّر أن الوقت الذي تملكه اليوم قد لا تملكه غدًا.
حوِّل مجالسك إلى منابر خير، ومصانع للأفكار، وموائد للذكر النافع.
فالوقت إذا ذهب… لن يعود.






