كبار السن .. أولئك العظماء الذين صنعوا الحياة .. وهم تاج على الرؤوس .. وكنز الزمان المنسي
بقلم/ أ. علي عباس بن طالب
الخميس 23 / أكتوبر / 2025م.
*▪️كبار السن ..* هم الذين تجعدت وجوههم لا من همٍّ ولا من حزن، بل من طول السنين التي أفنوها في خدمة الأوطان، وتربية الأجيال، وبناء البيوت التي نسكنها اليوم مطمئنين .. هم الذين شقّوا الصخر بأيديهم، وناموا على الحجارة ليوقظونا نحن على الأرائك الوثيرة، هم الذين جاعوا كي نشبع، وسهروا كي ننام، وتعبوا كي نرتاح.
*واليوم…* نراهم في زوايا البيوت صامتين، كأنهم صفحات من كتابٍ انتهى أحدهم من قراءته ووضعه على الرف، ناسِين أن هذا الكتاب هو الذي كتب تاريخنا كلّه .. نراهم يسيرون بخطى متعبة، وعيونهم تبحث عن من يستمع إليهم، عن كلمة تقدير، عن لمسة حنان، عن نظرة وفاء.
*كم من شيخٍ بات وحيداً لأن أبناءه انشغلوا ..* وكم من أمٍّ عجوزٍ تذرف الدموع كل مساءٍ لأن أحداً لم يتذكرها ولو باتصالٍ بسيط .. كم من يدٍ ارتجفت تنتظر أن تُمسكها يد ابنٍ بار، وكم من قلبٍ كبيرٍ كُسر بصمتٍ لأن من ربّاهم نسوه حين احتاج إليهم.
هؤلاء الذين شابت رؤوسهم من تعب الأيام، وتشققت أيديهم من صراع الحياة، وأثقلتهم الهموم لكنهم ما زالوا يبتسمون لنا بحنانٍ يُذيب القلوب… إنهم كبار السن، أولئك العظماء الذين مشوا عل الشوك ليُمهّدوا لنا طريق الراحة، وذرفوا الدموع سرّاً ليُضحكوا وجوهنا جهراً.
أيُّ قلبٍ لا ينكسر حين يرى أباً أو أمّاً، شيخاً أو عجوزاً، وقد انحنى ظهره بعد أن كان شامخاً، وضعف بصره بعد أن كان نافذاً، وارتعشت يده التي طالما امتدت بالعطاء والكرم؟ كم هو مؤلم أن ترى من كان يوماً سنداً وملاذاً، أصبح اليوم ينتظر كلمة طيبة، نظرة حنان، أو لمسة رحمة ترد له شيئاً من دفء الماضي.
*يا أبناء اليوم،* تذكروا أن هؤلاء كانوا يوماً شباباً مثلكم، بنوا، وربّوا، وصبروا، وضحّوا. فاحذروا أن تكونوا ممن جحدوا جميلهم أو تناسوا فضلهم. فكل دقيقة تمرّ من أعماركم تقرّبكم من مقاعدهم، حيث لا تنفع القوة ولا المال، بل فقط دعوة صادقة من ولدٍ بار، أو نظرة رحمة من قريبٍ وفيّ.
كبار السن ليسوا عبئاً كما يتوهم البعض .. بل هم البركة في البيوت، والدعاء الذي يحمي الأبناء، والظلّ الذي لا يُعوّض .. وجودهم بيننا حياة، ودعاؤهم رزق، وابتسامتهم نور، ومن عقّهم أو أهملهم فقد خسر بركة عمره وسعادة دنياه ورضا ربّه قبل ذلك كله.
*يا من تقرأ هذه الكلمات ..*
اذهب إلى والدك، إلى أمك، إلى جدك أو جدتك، قبّل رأسهم، *وقل لهم: “أنتم النور الذي لا ينطفئ”*، فكم من قلبٍ ينتظر تلك الكلمة، وكم من عينٍ هرِمَت وهي تترقب لمسة حنان.
🔸 لا تتركوا كبار السن يشيخون وهم يشعرون بالوحدة…
🔸 لا تسرقوا من أعمارهم ما تبقّى من حبٍّ واهتمام…
🔸 اجعلوا لهم في قلوبكم مقامًا كما جعلوكم في حياتهم كل الحياة.
فمن نسي فضل الكبير، نُسي يوم يصير كبيراً، ومن جفّف دموعهم، ابتلاه الله بدموعٍ لا تجف. إن احترام كبار السن ليس واجباً فحسب، بل شرفٌ وأصالةٌ وإنسانية .. والذي يُهين شيخاً، أو يستهزئ بعجوز، فقد أهان تاريخه قبل أن يُهين غيره.
في كل تجعيدةٍ على وجه كبيرٍ في السن حكاية صبرٍ، وفي كل دمعةٍ في عينه قصة وجعٍ عميق، وفي كل خطوةٍ بطيئةٍ له ذكرى حياةٍ ما كنا لنسيرها لولاهم.
كم من كبيرٍ اليوم يعيش وحيداً، نسيه الأبناء وتناسته القلوب، بعدما أفنى عمره في خدمتهم .. يا حسرةً على قلوبٍ قست .. يا خسارةً لإنسانيةٍ تاهت بين زحمة الحياة!
*فلنُعد الهيبة لكبارنا،* ولنجعل من احترامهم عادةً لا مناسبة، ومن خدمتهم فخراً لا عبئاً .. ارحموا من كبر، فغداً سيكبر فيكم من تحبون، وسيُقال عنكم ما تقولونه اليوم عنهم.
اللهم احفظ كبارنا، واغفر لمن رحل منهم، وامنحنا قلوباً تعرف الوفاء والرحمة، لمن صنعوا لنا الحياة ثم رحلوا بصمتٍ تاركين فينا أثرهم الطيب الذي لا يُمحى.






