ردًّا على اللقاء التشاوري للسلطة المحلية ومكتب البيئة وعقال ومقادِمة القنيص في تريم، الذي ناقش تنظيم الصيد ومنع بعض الممارسات التقليدية بحجة حماية البيئة والتنوع البيولوجي،
بقلم /عمر محمد سعيد بن سلمة التميمي
الاحد 19 اكتوبر 2025
نود أن نؤكد أن القنيص ليس مجرد ممارسة عابرة، بل هو عادة وتقاليد وموروث شعبي أصيل متجذر في هوية أبناء حضرموت عامة وأبناء مناطق تريم خاصة، توارثته الأجيال أباً عن جد، وارتبط بالرجولة والشجاعة والانضباط والنظام.
لقد كان القنيص على مرّ العصور ميدانًا للتعاون، والتعارف، وتبادل الخبرات، والتربية على الصبر، واحترام الطبيعة، فهو مدرسة في الأخلاق والالتزام أكثر مما هو مجرد صيد. وللقنيص في حضرموت أنظمة وقوانين عرفية قديمة تنظّم العلاقات بين القناصة وتحدّد مواسم الصيد، وأماكنه، وحدوده، وتحفظ حقوق الجميع.
ومنذ مئات السنين، لكل حافة في وديان حضرموت وشعابها أماكن محددة معروفة لا يُتجاوز فيها العرف ولا يُنتهك النظام، مما يدل على وعي بيئي أصيل نشأ قبل ظهور القوانين الرسمية بزمن طويل.
وعليه، فإن تحميل القنيص مسؤولية انقراض الحياة البرية أو الإضرار بالبيئة يعد تجاوزًا غير منصف، لأن من يمارس القنيص الحقيقي يدرك تمامًا أن الحفاظ على البيئة شرط لاستمرار هذه العادة، فلا أحد من أهل القنيص يرضى بخراب موطن الصيد أو إفساد موارده. القناصة الأصليون هم أول من يحمون الوادي والشِعب من العبث، وأول من يوقف المعتدين الذين لا يعرفون قوانين القنيص.
وفي الوقت نفسه، نوجّه رسالة إلى السلطة المحلية ومكاتب البيئة بأن حماية البيئة لا تكون فقط بمنع الصيد التقليدي، بل بالأولى أن تبدأ بحماية الإنسان من الملوثات اليومية التي تهدد صحته وحياته:
فهل البيئة في مأمن من تلوث الهواء بسبب أدخنة مصانع حرق النورة (الميافي)التي تخنق سماء تريم كل صباح وتلوث الجو في محيط المدينة؟
وهل البيئة في مأمن من مياه الصرف الصحي التي تفيض في الشوارع وتتحول إلى بؤرٍ للأمراض وتشوّه وجه المدينة التاريخية؟
وأين الحملات من تجمع القمامة والمخلفات العشوائية التي تنبعث منها الروائح وتؤذي السكان والحيوانات على حد سواء؟
إن الواجب الحقيقي للسلطة هو حماية الحياة البشرية أولاً من الانقراض الأخلاقي والبيئي، بتوفير بيئة نظيفة وصحية، وإصلاح شبكات الصرف الصحي، وتنظيم أعمال المصانع التي تلوّث الهواء، قبل أن تُلقي اللوم على ممارسة متوارثة لم تضرّ بالبيئة عبر مئات السنين.
نحن مع حماية الحياة البرية وضد الصيد الجائر، ولكننا أيضًا مع الحفاظ على تراث حضرموت الشعبي الأصيل الذي يشكّل جزءًا من هويتها الثقافية والاجتماعية. فالقنيص جزء من الذاكرة، والتاريخ، والتقاليد، وحرام أن يُلغى أو يُشيطن بحجة “البيئة”، بينما تُترك المشكلات البيئية الحقيقية دون حلول.
ختامًا، نقول إن التوازن هو المطلوب: نحمي البيئة، نعم، لكن نحمي أيضًا تراثنا وثقافتنا من الاندثار. نحافظ على الوعول والطيور، ولكن نحافظ قبل ذلك على الإنسان والمدينة والهواء الذي يتنفسه. فالقنيص كان وما زال رمزًا للأصالة، والرجولة، والانتماء للأرض، ولا يجوز أن يُعامل كجريمة بينما تتجاهل الجهات المختصة ما هو أخطر وأشد ضررًا على البيئة والناس.






