عندما يعيش المسؤولون بالدولار والشعب بالفاقة “بدل إعاشة أم سرقة مُشرّعة؟”
بقلم / روان الأميري
الاربعاء 27 اغسطس 2025
يومًا آخر في بلاد المفارقات، يومًا استيقظنا به على خبرٍ يثير السخرية قبل الغضب، فضيحة جديدة
في بلدٍ يغفو على بطونٍ خاوية، ويصحو على أسعارٍ تحرق الجيوب، بينما هناك من يتقاضون آلاف الدولارات تحت بندٍ ساخر اسمه “بدل إعاشة”، إعاشةٌ تزيد الكروش اتساعًا، بينما الشعب يقتات على الصبر والديون، إعاشة تُصرف على أشخاص يكتفون بالجلوس خلف مكاتبهم، محاطون بالمكيفات والابتسامات المصطنعة، وإعاشةٌ أخرى، بالفتات، يتجرعها الشعب المكدود، بين رغيفٍ يتناقص وزنه، وغازٍ يختفي من الأسواق، ودواءٍ صار حُلماً يُشترى بالدَين، أيّ مفارقة هذه، أن يتقاضى “البدل” من لم يُبدل جوعه بجوع الناس، ولا شقاءه بشقائهم؟ أيُعقل أن يُعطى بدل إعاشةٍ لمن لا يعرف العيش أصلًا إلا على موائد الشعب المنهوبة؟
أيها السادة المترفون، ما حاجتكم لبدل إعاشةٍ وأنتم تعيشون على حساب وطنٍ كامل؟!
الشعب هو من يستحق البدل، بدل جوعٍ يطول، وبدل كهرباءٍ غائبة، وبدل حياةٍ تُستنزف في الطوابير، لكن يبدو أن بدل الإعاشة وُلد ليعيل الكروش وحدها، لا البطون الخاوية.
“بدل إعاشة”… يا للعبارة الرقيقة!
كأن حضرات المسؤولين يعيشون في صحراء قاحلة، يتنقلون بين الخيام، فيأخذون هذا البدل ليشتروا كسرة خبزٍ أو جرعة ماء. والحقيقة؟ يعيشون في قصور، يتنفسون الدولارات كما نتنفس نحن الغبار.
أي إعاشة هذه التي تُصرف لمن لم يرفع حجرًا واحدًا لتحسين حياة الناس، لمن لم يقدم سوى الفراغ، بينما الشعب يكدّ من أجل البقاء؟ أي إعاشة هذه التي تُصرف لمن لم يترك للوطن شيئًا سوى سجلات صرف الأموال على راحتهم؟
لو كان العدل حيًّا في بلدنا، لكان بدل الإعاشة يُمنح لمن يحيون على ضوء الشموع، لا لمن تضيء بيوتهم الثريات الكريستالية.
المضحك المبكي أن الشعب يُعاش بالحسرة والديون، والمسؤول يُعاش بالدولار والبدلات، نحن نعدّ القروش كي نشتري قنينة زيت، وهم يعدّون الدولارات في فنادق الخارج الفاخرة.
تقولون بأنكم تحكمون وطنًا، وأنتم في الحقيقة لا تحكمون سوى مصالحكم.
تتحدثون عن التضحية، والشعب هو من يقدّم روحه كل يوم على مذابح الغلاء، بينما أنتم لا تضحّون إلا بما يفيض من موائدكم.
“بدل إعاشة”… تصرفه الحكومة على حياة هؤلاء المسؤولين في الخارج، بينما شعبنا يُفقد كرامته يوميًا بين طوابير الجوع وفواتير الغلاء، يدفن كل يوم جزءًا من أحلامه، ويستدين على رماد غده، كل دولارٍ يُنفق هناك، يُحتسب هنا بحسرة ودموع، فالإعاشة التي تمنحها الدولة ليست للعيش… بل لمسرحية عبثية، حيث يلعب المسؤولون بأموالنا، ويختبئ الشعب خلف أيامٍ تُسرق منه قبل أن تُعاش.
أيها السادة، وفّروا “بدل إعاشتكم” لنا… فأنتم تعيشون أكثر مما يلزم، ونحن بالكاد نحيا!
وصدقوني… سيأتي يومٌ تُكشف فيه حساباتكم كما يكشف فسادكم، يومٌ يصبح “بدل إعاشتكم” وصمةً في جبين تاريخٍ لم يرحم المتخمين.






