لماذا تظل ثورة تريم عصية على النسيان والتطويع؟
( #تاربة_اليوم ) / كتابات وآراء
كتب : انس علي باحنان
14 اغسطس 2025
لم تشهد مدينة تريم — في تاريخها القريب — مسيرةً شعبية أو احتجاجًا جماهيريًا أرعب قوى الفساد والطغيان كما شهدته خلال الأيام الماضية. لقد خرجت الجموع، في مظاهرة سلمية، تعبّر عن غضبها ورفضها لواقعٍ مرير من الإذلال والتجويع، فواجهتها السلطة بقوة مفرطة، مستخدمة المدرعات، والأطقم العسكرية، والأسلحة الخفيفة والمتوسطة، وكأنها تواجه عدوًا غازيًا لا شعبًا أعزل خرج يطلب حقه.
لكن، لماذا كل هذا العنف؟ ولماذا كان هذا الإصرار على وأد
الانتفاضة الشعبية المباركة ومواجهتها بهذا الصلف
والتعجرف؟
ربما يكمن السبب الجوهري في الأسلوب الذي اتبعه الشباب، إذ اختاروا وسيلة مؤثرة أيقظت مضاجع الفاسدين، بقطع الطريق وبالطبع لم يكن الهدف التخريب أو التعدّي، بل كانت محاولة ضاغطة وموجعة لكسر شوكة الفساد، وثني أدواته عن إذلال الشعب وتجويعه.
لا نقف هنا لنبرّئ أو ندين ما قام به الشباب، لكننا نفهم دوافعهم. لقد رأوا أن قطع شريان المصالح هو الكف القوي الذي يمكن أن يصفع الطغيان. ولئن كانت الوسيلة قابلة للنقاش، فإن الرسالة كانت واضحة: لا للذل، لا للجوع، لا للصمت بعد اليوم.
تداعيات ما حدث في تريم خلال الأسبوعين الماضيين لا تزال آثارها ماثلة، وستظل محفورة في ذاكرة أهلها، لا يمحوها الزمن، لأن ما وقع لم يكن مجرّد قمع، بل إذلالٌ ممنهج وجُرحٌ في كرامة الناس. رأى أبناء تريم السلاح يُصوَّب إلى صدورهم لا لشيء إلا لأنهم قالوا: كفى.
ومن هنا، أصبحت تريم ساحة جذب لأطراف عديدة، كلٌّ منها يريد توجيه الاحتجاجات نحو أجندته ومصالحه الخاصة. ومما يزيد الأمر خطورة أن قوى الفساد تسعى بكل ما أوتيت من مكر لتفريخ قيادات متعددة تدّعي تمثيل الثورة، وتتحدث باسم المحتجّين، حتى بات يصدر بيان هنا، ويُكذّب ببيان هناك، فتحوّلت الساحة إلى صراع بيانات وتبادل اتهامات.
لقد خرجت تريم من أجل كرامة الناس وهموم المواطن الحضرمي البسيط، لا من أجل أجندات حزبية أو مطامع شخصية. وليس هناك من سبيل لقطع الطريق على هذه المؤامرات إلا بالوعي الشعبي والجماهيري. يجب على أبناء تريم أن يكونوا حائط صدّ منيعًا في وجه كل مَن يحاول المتاجرة بآلامهم أو بيع قضيتهم بثمن بخس.
فمن يظن أن تريم وأهلها لقمة سائغة، وأنه قادر على تزييف وعيهم وبيع أحلامهم، فهو واهم. شعبنا اليوم ليس كما كان بالأمس، لقد ارتقى بوعيه، وتمسّك بحقه، وعرف عدوه من صديقه.
هي ثورةٌ مباركة، إن شاء الله، وسنجني — وتَجني الأجيال من بعدنا — ثمارها اليانعة، وستظل عيون الجبناء وحدها هي التي لا تنام، أما عيون الأحرار، فهي ساهرة على كرامة الوطن، متطلعة إلى فجرٍ لا مكان فيه للفاسدين.






