اعلانك معنا تحقيق اهدافك التجارية وزيادة مبيعاتك
ابحث في الموقع
تاربة اليوم - الموقع الإخباري اليمني

تخفيض الدولار ومسرح العبث المتكرر … قوى شمال الشرعية : “داخلة في الربح خارجة من الخسارة”

تخفيض الدولار ومسرح العبث المتكرر … قوى شمال الشرعية : “داخلة في الربح خارجة من الخسارة”

كتب / م/أحمد صالح الغلام العمودي
الاثنين 4 أغسطس 2025

في مايو من عام 1997، تم تكليف الدكتور فرج بن غانم بتشكيل حكومة جديدة، فتقدَّم ببرنامج إصلاحي اقتصادي متواضع في حدّه الأدنى، كان يهدف إلى اجتثاث بعض بؤر الفساد، مقتصرًا على الدرجات الثانية والثالثة من مراتب الفساد، دون الاقتراب من رؤوس الفساد في الدرجة الأولى. ومع ذلك، قوبل هذا البرنامج برفض صارم من الرئيس علي عبدالله صالح، مدعومًا من زعيم تحالف القوى القبلية والدينية عبدالله بن حسين الأحمر، مما دفع الدكتور بن غانم إلى تقديم استقالته في مايو 1998، مُصدّقًا بذلك على وفائه لقيمه ومبادئه.
لم تشفع له نزاهته وكفاءته وسمعته الدولية؛ بل قوبل بالتجاهل والتسفيه والتنكر لحقوقه. ولولا وساطة عبد القادر باجمال “الشخصية”، الذي تدخّل لدى مراكز النفوذ في صنعاء لتسهيل سفره إلى جنيف بسبب حالته الصحية، لربما كانت نهايته مأساوية. كل ذلك حدث لأنه رفض أن يكون ديكورًا جنوبيًا لنظام فاسد، يُلمّع صورته أمام المؤسسات الدولية، بينما تستمر مافيا النهب المنظم في مصّ مقدرات الدولة في الشمال والجنوب على حد سواء. وقد ثبت حينها أن معدن الرجل ومنظومته الأخلاقية والقيمية أسمى من أن تُشترى أو تُكسر.. رحمه الله رحمة واسعة.
وفي مطلع الألفية الجديدة، وفي مسرحية أخرى من تأليف وإخراج الأجهزة الامنية والاستخبارية في صنعاء حينها، تفتّقت العبقرية الاستخباراتية لنظام صنعاء عن حيلة جديدة؛ فقد شُكّلت ما سُمّيت بـــ “لجنة باصرة-هلال” في محاولة لاحتواء زخم الحراك الجنوبي المتصاعد، الذي كان يواجه سياسات الإقصاء والنهب والاستحواذ المنهجي على الأرض والنفط والوظيفة العامة في المحافظات الجنوبية. وتم الترويج لتقرير اللجنة بشكل غير طبيعي من حيث إضفاء شجاعة مزعومة ومحسوبة بمعايير استخبارية على التقرير المنبثق منها؛ وكأنه انطلاقة استثنائية لاجتثاث الفساد، ولهذا أعطيت المساحة الكافية من التعبير (فشة خلق) عما جرى ويجري في الجنوب حينها، رغم أنه لم يكن سوى مسرحية محكمة الإخراج هدفها الرئيسي الأوحد إعلام الرأي العام بأن الفساد ليس حكرًا على الشماليين، بل أن هناك شركاء جنوبيون فيه، ممن تحالفوا معنا في تثبيت الوحدة “بالدم”، حيث تم إدراج بعض الأسماء الجنوبية الضالعة في قضايا النهب. وقد أرادت النخبة المسيطرة على الحكم في الهضبة الزيدية بذلك أن تنزع صفة “الطهر السياسي” عن هذا البعض الجنوبي في السلطة، بعد أن استشعرت محاولتهم التبرؤ مما يثار في الجنوب، وتحميل الطرف الشمالي تبعات ذلك. إلا أن الطرف الشمالي تعامل بذكاء ورد الصاع صاعين لهذه المحاولات؛ وقام باستفزاز الفاسدين الجنوبيين في السلطة بإعلان أسمائهم للمواطن الجنوبي كمتورطين في تلك الأعمال، وكواجهة أو على الأقل عدم تفرد الشماليين في أعمال النهب التي تعم الجنوب من أقصاه إلى أقصاه، والغاية من وراء ذلك مواجهة إخوانهم في الحراك الجنوبي، وهذا ما تم للأسف الشديد، وكلنا يتذكر التوجيه بالضرب في (ام رجول) الذي يعكس حالة احتقان متبادلة أراد النظام إشعالها وإضرام نيرانها من جديد بين الجنوبيين لتخفيف الضغط عليه وتحرضهم على بعضهم البعض، وتصوير القضية بأنها صراع جنوبيًّا – جنوبيًّا، بين طغمة وزمرة، وليس قضايا فساد وإفساد واستحلال ثروات الجنوب!!
وبمقارنة رفض الدكتور فرج بن غانم أن يكون واجهة وشماعة جنوبية لفساد نخب الهضبة الزيدية، كان مصيره الإهمال والتسفيه كما يعرف الجميع، نجد بالمقابل، وخلافًا لما جرى معه، فقد تم ترقية أعضاء اللجنة لاحقاً الى مناصب عليا، وربما كانت تلك المهمة مهمة تسويق سابقة لترقية لاحقة، أو شرط لها، في دلالة لا تخطئها العين، على أن اللجنة كانت تؤدي مهمةً استخبارية لتسويق النظام، لا محاسبة حقيقية للفساد، وكم كنا نتمنى أن يحذو معدو التقرير حذو ما أقدم عليه طيب الذكر الدكتور فرج بن غانم، في تغليب منظومته القيمية على مصالحه الذاتية ! ولكن لله في خلقه شؤون. ( رحم الله الجميع).
وها نحن اليوم أمام مشهد جديد من المسرحية الطويلة المملة.. قرار مباغت بتخفيض سعر صرف الدولار، دون أي مسوغ اقتصادي علمي أو منطقي أو حتى سياسي. لا تفسير لذلك إلا بالعودة إلى ذات الحِيَل القديمة، فالمؤلفون والمخرجون ما زالوا في مواقعهم، بل إن بعضهم ارتقى في سلّم السلطة حتى بات يتحكم بالقرارات السيادية، وهم جميعًا أبناء المدرسة نفسها.
إن العاقل لا يتخيل حلًّا لأي أزمة دون تسوية سياسية شاملة. وليس من المنطقي تصديق أن الأسعار ستُضبط بنزول رجال الأمن إلى الأسواق والأزقة لمطاردة الباعة وأصحاب الدكاكين، أو بخُطب المواعظ العاطفية ! فاستقرار الأسعار يتطلب منظومة مؤسسية فاعلة منضبطة، وصناديق دعم للأسعار تتحمل فوارق التكاليف، وهي أمور غير ممكنة في دولة عاجزة عن دفع رواتب موظفيها منذ أشهر. فكيف لها أن تدير ملفًا معقدًا كالاقتصاد؟! ما يجري ليس إلا “حركات نصف كم” على حد وصف إخوتنا في السودان.
المسؤولية اليوم تقع على ممثلي الجنوب في المجلس الرئاسي المؤمنين بمشروع استعادة الدولة الجنوبية، وعلى قيادة المجلس الانتقالي الجنوبي، وأن يتم اتخاذ قرارات جريئة لا تخرج عن الآتي على ما نرى:
• على المجلس الانتقالي الجنوبي، وأعضاء مجلس الرئاسة الجنوبيين المؤمنين باستعادة الدولة الجنوبية، أن يغادروا مربع المداراة والتذرع بظروف الشراكة مع شمال الشرعية، وكذلك التذرع بما تقتضيه متطلبات التحالف مع دول التحالف العربي (التي لم نعد نعرفها ولا نستطيع فهمها أو حتى تقديرها)، وكذلك الأمر فيما يتعلق بالالتزامات والقوانين الدولية .. نقول ذلك ليس من باب المزايدة أو الشطط، ولا باب الاستهتار غير الواعي والمدرك لعواقب الأمور، بل نستند على ما نراه من انهيار كامل لكل المعايير والقيم الدولية للنظام العالمي، واستبدالها بمبدأ القوة والمصلحة فقط.. فها نحن نرى قائدة العالم بلا منازع، الولايات المتحدة الأمريكية بجلالة قدرها وجبروتها تهرول إلى عقد الاتفاقات مع الميليشيات الحوثية المباشرة في صنعاء صونا لمصالحها فقط، دون اعتبارا حتى لأقرب حلفائها إسرائيل، وقد رأينا قبل ذلك اتفاقات المملكة العربية السعودية في اتفاقها مع هذه الميليشيات أيضا سعيًا وراء مصالحها، وليس من حقنا أن نعترض على كل من يسعى وراء مصلحة بلده وشعبه، ويبدو أن المملكة أقدمت على تلك الخطوة بعدما اتضح لها استحالة تحقيق النصر بالأدوات التي اعتمدت عليها. لذلك على من يعنيهم أمر شعبهم في الجنوب أن يصارحوه بحقيقة الأمر، وأن يقدموا على اتخاذ إجراءات شجاعة، قبل أن تنفض القاعدة الشعبية عنهم، ويكون مصيرهم ومصير قضية شعبهم في غياهب النسيان.
• أن تتم مصارحة التحالف العربي بأن يتحمل مسؤولية تحسين الخدمات في المحافظات الجنوبية ومعالجة الوضع الاقتصادي في الجنوب، أو تمكين الجنوبيين من إدارة شؤونهم بأنفسهم ويترك الأمر لهم في تحمل مسؤولية أهلهم في الجنوب، ويكونوا مسؤولين امام شعبهم في ادائهم سلبًا وايجابًا، وفي أقل تقدير يكون أهل الجنوب على معرفة سليمة لمن تقع عليه المسؤولية المباشرة في أوضاعهم، وليس بتقاذف التهم بين الأطراف! على أن يعتمد الجنوب على نفسه. ويعود كل المسؤولين الجنوبيين وعوائلهم إلى الجنوب وممارسة مهامهم من الجنوب وليس من الخارج. وأن يتم توسيع المشاركة في صنع القرارات لأبناء الجنوب دون إقصاء أو تهميش لأحد.
• لا يجب ربط مصير الجنوب بحسم الأمور في صنعاء. وعلى الشمال الشرعي أن يتجه إلى شؤونه في الشمال بالتحرير للشمال، او الاتفاق مع قوى الانقلاب في الهضبة الزيدية، ومن ثم الدخول في تسوية سياسية لمختلف الأطراف اليمنية وفي مقدمتها حل القضية الجنوبية بما يرتضيه شعب الجنوب .. إن بقاء الشرعية الشمالية في وضع “داخلة في الربح، خارجة من الخسارة” أمر لم يعد مقبولًا؛ إذ تحمّل الحوثي مسؤولية ما يحدث في الشمال، وتلقي باللوم على المجلس الانتقالي والتحالف العربي فيما يخص الجنوب، بينما تقاسم الجنوب المناصب والثروات، وتُغذِّي إعلامها من الخارج بالعملات الصعبة، ثم تُسلّط أدواتها الإعلامية، وقنوات التنظيم الدولي للإخوان المسلمين، للهجوم على الانتقالي ودول التحالف، في انسجام كامل مع خطاب الانقلابيين في صنعاء.
• من الأهمية بمكان أن يكون معلومًا، أن هذا الوضع العبثي ما كان له أن يكون لو لا الغباء والسذاجة السياسية الجنوبية في إدارة الشراكة مع الشمال الشرعي، وقبل ذلك سوء إدارة الشراكة مع التحالف العربي في الحرب ذاتها دون تحديد المآلات مسبقاً، والمجال لا يتسع لتفصيل في هذا الأمر في هذا التناول. فالهدف واضح للعيان، وهو خلط الأوراق في الجنوب، وقطع الطريق على أي توجه جاد من قبل الجنوبيين لإعادة ترتيب صفوفهم أو إعادة النظر في أدوات إدارتهم للمرحلة. إنها محاولة لتشتيت البوصلة، في تناغم مريب مع ما يُطبخ في الشمال، سواء من قبل قوى الانقلاب في صنعاء، أو قوى الشمال في الشرعية في إيصال الجنوبيين إلى قناعة الكفر بالقضية الجنوبية، وتحميل الانتقالي المسؤولية بسبب إخفاقاته، وأن لا حل لأوضاعهم سوى البقاء في وحدة لم يبقَ منها في الوجدان سوى حقها في دفن كريم. كل ذلك يتم تحت غطاء التذرع بالمحاذير السالفة الذكر من قبل ممن يتصدرون المشهد باسم الجنوب.
ما يحدث اليوم ليس حلًا، بل مهدّئ سياسي مؤقت، بلا سياق اقتصادي ولا أفق سياسي. إنه إعادة إنتاج لأساليب خبيثة في التعمية والتيه. ونسأل الله أن نكون مخطئين في قراءتنا، لكن شواهد الواقع تزداد صراحة وبؤسًا.
والله من وراء القصد وهو الموفق والمستعان

إغلاق