التعافي المؤقت للعملة الوطنية في اليمن – قراءة تحليلية مكثفة
تاربة_اليوم /كتابات واراء
كتب / الدكتور عبدالناصر سعيد محمد البطاطي
2 أغسطس 2025
تشهد العملة الوطنية في اليمن خلال الفترة الأخيرة تحسنًا نسبيًا في قيمتها أمام العملات الأجنبية. غير أن هذا التعافي، رغم أهميته الظاهرية، يظل هشًّا ومؤقتًا في ظل غياب المقومات الاقتصادية الحقيقية التي تضمن استدامته. فالتحليل الموضوعي للمشهد الاقتصادي يكشف أن هذا التحسن الراهن قد يتبعه تراجع أشد وطأة إذا لم تُتخذ إصلاحات هيكلية جذرية تضع الاقتصاد الوطني على مسار مستدام.
على الرغم من التحسُّن الطارئ، فإن البيئة الاقتصادية الوطنية تفتقر إلى ركائز أساسية – تدعم قوة العملة واستقرارها – يمكن إجمالها فيما يلي:
1. قطاع تصدير فعَّال يضمن تدفقات نقدية مستدامة تدعم الاحتياطي من النقد الأجنبي وتقلل الاعتماد على الواردات.
2. استثمارات استراتيجية كبرى تعيد بناء البنية التحتية، وتولِّد فرص عمل، وتدفع عجلة النمو الاقتصادي.
3. قاعدة إنتاج وتصنيع محلي تهدف لتحقيق الاكتفاء الذاتي وتطوير قدرات تنافسية للتصدير.
4. تنمية شاملة للتعليم في مختلف مراحله، وفق معايير وضوابط صارمة تربط المخرجات بمتطلبات سوق العمل.
5. ودائع مالية مستقرة وكافية تمكِّن المصارف من توفير السيولة وتعزيز الثقة بالقطاع المصرفي.
6. إجراءات وضوابط صارمة من وزارة المالية والبنك المركزي لضبط سوق الصرف ومنع المضاربات العشوائية بالعملة.
7. محاربة الفساد وتعزيز الشفافية عبر آليات رقابية تتيح كشف البيانات المالية والإجراءات للرأي العام بصورة دورية.
8. تقنين الاستهلاك الحكومي والمجتمعي بالاكتفاء بالضروريات، والحد من الإنفاق على الكماليات الضارة بالاقتصاد مثل: التبغ والقات.
9. إلزام جميع موظفي الدولة بالعمل من داخل الوطن وصرف رواتبهم بالعملة الوطنية لدعم الطلب الداخلي عليها.
10. تناغم مؤسسي بين وزارة الاقتصاد والمؤسسات المالية لتطبيق سياسات اقتصادية منضبطة ومستدامة.
11. ترشيد الهيكل الإداري للدولة عبر تقنين عدد الوزارات والإدارات والسفارات والبعثات الدبلوماسية، والحد من التضخم الوظيفي غير المنتج، بما يسهم في خفض النفقات العامة وتوجيه الموارد إلى الأولويات التنموية.
ويحذِّر المختصون من أن التعافي غير المرتكز على أُسس صلبة يشبه البناء على الرمال؛ إذ إن الانتكاسة الاقتصادية قد تكون أشد أثرًا من الأزمة ذاتها، حيث يمكن أن يقود التراجع الحاد بعد التحسُّن المؤقت إلى تداعيات سلبية مضاعفة على السوق والمجتمع، سواء في صورة تضخم متسارع أو انهيار ثقة المتعاملين في العملة المحلية.
وتقتضي المرحلة الراهنة تبنِّي إصلاحات هيكلية عاجلة ومدروسة بعناية، لتحويل التعافي المؤقت إلى استقرار نقدي طويل الأمد، حيث نوصي من خلال هذا التحليل بما يلي:
1. إصلاحات هيكلية عاجلة تشمل تنشيط الصادرات وتحفيز الاستثمار المحلي والأجنبي وتعزيز الاحتياطي النقدي من العملات الأجنبية.
2. فرض ضوابط تنظيمية ورقابة صارمة على سوق الصرف للحد من المضاربات ومنع الانفلات النقدي.
3. وضع سياسات اقتصادية متناغمة بين الوزارات والمؤسسات ذات العلاقة تضمن استدامة التحسُّن في قيمة العملة الوطنية.
4. تفعيل الشراكة الموسعة مع القطاع الخاص لزيادة الإنتاجية وخلق فرص عمل وتعزيز دورة رأس المال المحلي.
5. إدارة رشيدة للموارد تركز على الأولويات وتمنع الهدر في النفقات العامة.
إن أي تحسُّن في قيمة العملة الوطنية، ما لم يُبنَ على معالجة جوهرية للتحديات البنيوية العميقة التي يواجهها الاقتصاد، سيظل ظاهرة عابرة وعرضة للتقلبات الدورية. فالاستقرار النقدي الحقيقي والدائم لا يتحقق بالمضاربات العابرة أو التدخلات الظرفية، بل يتطلب إرادة سياسية حازمة، وإصلاحات اقتصادية شاملة، وإدارة رشيدة وكفؤة للموارد الوطنية، مقرونة بتهيئة بيئة استثمارية جاذبة قادرة على استقطاب رؤوس الأموال وتوسيع قاعدة الإنتاج والصادرات. فالتجارب الاقتصادية العالمية تؤكد أن قوة العملة واستقرارها المؤسسي لا يقومان إلا على أُسس إنتاجية متينة، وتنويع اقتصادي مستدام، وإطار مالي منضبط يحمي الاقتصاد من الصدمات، ويؤسس لنمو حقيقي يعزز مناعة العملة الوطنية ويديم قوتها عبر الزمن.






