“كنك؟! – كلمه حضرميه بصيغه الفضول الزائد…
كتب/ ا عوض بلعيد لكمان
الثلاثاء 15 يوليو 2025
في لهجة أهل حضرموت، تطفو على السطح كلمة صغيرة، بسيطة ظاهريًا، لكنها محمّلة بما هو أكثر من مجرد استفسار عابر. إنها كلمة “كَنَك”، التي تأتي غالبًا بصيغة سؤال فضولي: “كَنَك تسوي كذا؟” أو “كَنَك رايح مكان فلاني؟”، وكأنها تطلب شرحًا فوريًا ومجبرًا لسلوك لم يكن أصلًا مدينًا بتبرير.
ورغم أن هذه الكلمة قد تُقال بعفوية أو بحسن نية، فإنها في كثير من المواقف فانها تنقلب إلى أداة اقتحام لخصوصيات الآخرين، أو حتى وسيلة غير مباشرة لإصدار الأحكام على التصرفات.
“كَنَك”: سؤال يفتقر للذوق أحيانًا
كلمة “كنك” تعني في السياق الحضرمي غالبًا: لماذا تفعل كذا؟ أو ما السبب في هذا التصرف؟. لكنها لا تأتي بلطف المستفسر، بل بنبرة من يطلب المحاسبة، حتى لو لم يكن له شأن بذلك. ومن الأمثلة المزعجة لاستخدامها:
كنك لابس رسمي؟ وين رايح؟
وكأن ارتداء اللباس الرسمي مدعاة للريبة!
كنك ساكت اليوم؟ شي صاير؟
كأن الصمت أمر مقلق، مع أنه في أحيان كثيرة، مجرد راحة للعقل.
كنك تأخرت اليوم؟
حتى لو لم يكن هناك موعد مسبق أو التزام مشترك.
كنك تمشي بروحك؟
وكأن الانفراد جريمة اجتماعية تستوجب التوضيح.
تُقال هذه الجمل في أماكن عامة، أو على طاولات العشاء، أو أمام جمع من الناس، دون مراعاة لمشاعر الشخص الذي وُجه إليه السؤال، ولا لخصوصيته أو حقه في أن يحتفظ ببعض أموره لنفسه.
المجتمع الحضرمي معروف بترابطه، ودفء العلاقات الاجتماعية فيه، لكن من المهم أن نُفرق بين الاهتمام الحقيقي والفضول الزائد. فالفرق بين السؤال الودود والسؤال المتطفل هو النية واللحظة والمكان.
استخدام “كنك” باستمرار، وبهذا الشكل المفتوح، يوصل رسائل غير مريحة. قد يُشعر الشخص وكأن عيون الناس تلاحقه، وكأن عليه أن يشرح كل خطوة يخطوها، مما يولد إحساسًا بالتضييق والانزعاج.
لسنا ضد الحوار، ولا ضد السؤال اللطيف من باب المحبة أو الاطمئنان، لكننا ندعو إلى تهذيب اللغة المستخدمة في التخاطب اليومي. أن نختار كلماتنا بعناية، وأن نُدرك أن لكل إنسان حياة خاصة، وتجارب يمر بها، لا يود دائمًا أن يشاركها أو يفسرها.
دعونا نُقلل من “كنك”، ونستبدلها بلغة أكثر احترامًا للمساحة الشخصية، كأن نقول:
“إذا تحب تشارك، أنا موجود” أو “أمورك طيبة؟ محتاج شي؟”
فهذه عبارات تُظهر الاهتمام، دون أن تفرض الإجابة أو تكشف المستور.
قد تكون “كنك” كلمة حضرمية بسيطة، لكنها تحولت بفعل التكرار والاعتياد إلى أداة لكسر الخصوصية، وأحيانًا، إلى مرآة لسطحية التواصل. لنجعل من لهجتنا أداة تقارب حقيقية، لا مجرد وسيلة لمساءلة الآخرين عن أشياء لا تخصنا.
فالخصوصية ليست ترفًا… بل حق






