اعلانك معنا تحقيق اهدافك التجارية وزيادة مبيعاتك
ابحث في الموقع
تاربة اليوم - الموقع الإخباري اليمني

تساؤلات على الرصيف

تساؤلات على الرصيف

بقلم / مبارك محفوظ باخريصة

الاحد 13 يوليو 2025

💬 لماذا يهمك هذا الخبر؟

تكمن أهمية هذه الأخبار في انعكاسها على حياة المستخدم اليومية وفهمه لما يدور حوله.

كان النهار يتكئ على عكاز آخر ساعاته  ، حينما كنتُ عائدا من دوامي في ثانوية تريم للبنين نهاية العام الفائت، كنت أتأمل الطرقات التي اعتادت عليّ كل صباح حتى حفظت خطواتي، وكنت أظن أن رحلتي إلى البيت ستكون ككل يوم، حتى لمحته واقفا على جانب الطريق …
هو صبيّ في مقتبل الوعي، يلوّح لي بحزمة أوراق في يده الصغيرة ، أوقفت دراجتي، اقترب وعلى وجهه مزيج من براءة السؤال وفضول المعرفة، وطلب مني اصطحابه إلى حارة على طريقي.

كان يحمل أوراق امتحانات نهاية العام، ودار بيننا حوار لم يكن عابرًا، بل بدا وكأنّ الحياة توقفت لحظة لتصغي إلينا.
سألته عن درجاته التي تخبئها أوراقه التي يلفها بيده، وسألته عن أعلى درجة نالها، فأجاب بفخر في مادة كذا ، ثم سألته عن أدناها، فتنهّد وابتسم ابتسامة باهتة خجولة وقال: “الرياضيات!”
ثم رمقني بعينيه الذكيتين وسأل:” يا أستاذ نحن نحتاج في حياتنا لعمليات الحساب الضرورية من الجمع والطرح والضرب والقسمة فقط، فلماذا نتعب أنفسنا بهذه المعادلات المعقدة؟ ما فائدة س وص و.. وكل هذا؟”
أدركت أنني أمام روح متعطشة للفهم، وليس مجرد طالب.
فأخذت أحدثه عن الرياضيات، عن كونها لغة الكون، وكيف أنها وراء كل اختراع، وكل جسدٍ هندسيّ، وكل ابتكار علميّ.
لكنه باغتني بسؤال وخز ضميري أشد من سؤاله الأول، سؤال يعكس واقعا مريرا في مخرجات منظومتنا التعليمية قائلا : “ونحن من عسى أن يكون منا عالم أو مخترع؟”
في تلك اللحظة شعرت أن الزمن توقف فعلاً، وتساءلت داخلي: من يزرع الحلم في هؤلاء الصغار؟ من يفتح لهم النوافذ ليروا أنفسهم عظماء في مرايا المستقبل؟
فأخبرته أن كل العلماء والمفكرين والمخترعين كانوا طلابا مثله ولكن  بالعلم وبالصبر و الجد والاجتهاد أصبحوا علماء ومفكرين ومخترعين..
لم أشعر إلا وقد مرت الدقائق وكأنها ثوان تسلّلت خفيفةً بين أطياف الحديث الشائق بيننا، حتى وصل لحارته وودعني بكلمات الشكر، تسمرت مكاني أنظر إليه وهو يمضي  عني بخطاه الصغيرة، لكن عينيه ظلّت معلّقتين بي كأنهما تقولان: لم أقل كل ما في قلبي بعد.. كان يحمل في عقله الصغير أسئلة أكبر من جيبه، وتفاصيل لم تكتمل في دفاتر فهمه، كأن الحياة بدأت تهمس له، لكنه لم يجد بعد من يترجم تلك الهمسات…

*رسالة إلى معلمي الرياضيات:*

من هذا الموقف أود أن أبعث بومضة ود ونفحة تقدير إلى معلمي الرياضيات الأفاضل، صانعي العقول ومهندسي المنطق:

إن بين أيديكم مادة عظيمة، ليست مجرد أرقام ورموز، بل هي البوابة التي يطل منها أبناؤنا على أسرار الكون وتفاصيل الحياة.
لكننا في حاجة أن نُلبس هذه المادة ثوبًا من الحُب، أن نُخرجها من أروقة التجريد إلى فضاءات الواقع ،
حببوا إليهم الرياضيات بربطها بالحياة، بقصص العلماء، بالألعاب والتجارب، بجعل المسائل ألغازًا شيقة، لا مجرد واجبات. اشرحوا لهم أن “س وص” ليست مجرد رموز، بل مفاتيح لفهم أشياء لا تُرى إلا بها.
حدّثوهم عن المهندسين الذين يبنون الجسور، عن المبرمجين الذين ينسجون العالم الرقمي، عن المخترعين الذين بدؤوا بأحلام صغيرة، كتلك التي يحملها طالب في الصف السادس  يقف ملوحا بيده الصغيرة على جانب الرصيف في مدينتنا الحبيبة تريم.

اجعلوا من الحصة نافذة أمل، وليس امتحان قلق. علموهم أن الرياضيات ليست صعبة، لكنها تحتاج صبرًا وتدرجًا، وأنها مثل البحر، كلما غصنا فيها، أبهرتنا كنوزها.

بوركتم وبورك جهدكم، فأنتم لا تُعلّمون فقط، بل تصنعون الحالمين.

إغلاق