اعلانك معنا تحقيق اهدافك التجارية وزيادة مبيعاتك
ابحث في الموقع
تاربة اليوم - الموقع الإخباري اليمني

كهرباء الوادي… خدمة بمزاج متقلب

كهرباء الوادي… خدمة بمزاج متقلب

كتب /عبدالله حسن قاسم
الثلاثاء 8 يوليو 2025

كان هناك رجل يُدعى “سيد آسف”.
يؤذي الجميع بابتسامة، يكرر نفس الخطأ يوميًا، لكنه بارع في شيء واحد: الاعتذار.

إذا عطل جهازك، أو أفسد يومك، أو تركك تتصبب عرقًا في العتمة، هرع إليك برسالة صوتية حنونة:
“أنا آسف جدًا… قلبي معك!”

لم يحاول أن يتغير أبدًا… فقط أتقن فن التبرير.

ومع الوقت، لم يعد الناس يشتكون من انقطاع الخدمة… بل من فرط الاعتذار.

نشرت المؤسسة العامة للكهرباء بوادي حضرموت توضيحًا رسميًا بشأن التراجع المؤقت في مستوى الخدمة، وأكدت أن سبب ارتفاع ساعات الانطفاء يعود إلى “تراجع قدرة المحطة التوليدية الغازية” — وهو تبرير لا يختلف كثيرًا عن الأعذار المتكررة التي اعتاد المواطن سماعها كل موسم، بل كل أسبوع، وربما كل يوم. والواقع أن التراجع بات روتينًا يوميًا: 3 ساعات تشغيل مقابل 6 ساعات انطفاء، وسط أجواء صحراوية حارة وقاسية للغاية. وهذا الروتين طرأ منذ التعيينات الأخيرة بنهاية 2022 التي شملت المحافظ، والوكيل، ومدير الكهرباء.

التوضيح الذي يتدثر زي البراءة ويتزيّن بلباس الود كان زائدًا عن الحاجة، ولم يقدم جديدًا، سوى إعادة تدوير العبارات المعتادة: “خلل فني”، “نقص في الوقود”، “فريق يعمل ليلًا ونهارًا”، وعبارة لا تغيب أبدًا عن البيانات الرسمية: “نقدّر تفهّمكم وصبركم”، رغم أن المواطن لم يعد يملك من الصبر شيئًا، وقد أُجبر على التعايش مع الظلام أكثر مما اعتاد على النور.

اللافت أن الكهرباء في حضرموت لم تعد مجرد خدمة مؤسسية، بل تحوّلت إلى وسيلة لتعذيب الناس تخيم عليها العشوائية والارتجال؛ تتحسّن فجأة — ربما بتحسن مزاج القائمين عليها — ثم تعود إلى حالها المتدهور كما كانت. تتماهى بشكل مستفز مع ارتفاع درجات الحرارة، وكأنها تتعاطف مع الشمس في زيادة معاناة الناس، وهي علاقة طردية، بيد أن التعاطي معها يتم عكس ما يجب، إذ أن ارتفاع درجة الحرارة يستلزم تدخلاً سريعًا وعاجلاً شأنه شأن الكوارث البيئية الأخرى التي تستدعي تشكيل غرفة طوارئ وحشد الطاقات والجهود.

هكذا إذن، تخذلك الكهرباء في أشد الأوقات حاجة إليها، وحينما تركن إلى تعافيها، تتدهور فجأة، في المناسبات وفترات الاختبارات وأيام الصوم حيث الحاجة الماسة إليها، تجدها تمرض، ربما كمساهمة منها في تدريب الطلاب أو الصائمين على التعايش مع الظروف الطارئة، أو كنوع من التربية الصارمة على الصبر والمثابرة!

ثلاث ساعات تشغيل مقابل ست ساعات انطفاء هو التوزيع السائد — أو بالأصح: “العقوبة السائدة” — مع هامش من المزاجية قد يرفع الانطفاء إلى سبع أو ثماني ساعات دون سابق إنذار. ولا يبدو أن هناك التزامًا واضحًا بأي جدول، أو حتى احترامًا للحد الأدنى من الشفافية. إنها عقوبة سائدة — أو بالأحرى سادية — تهدف إلى دفع المواطن نحو أبواب محلات الطاقة البديلة، التي تعج بها الأسواق، رغم أنها ليست في المتناول – عطفًا على كلفتها الباهظة – ولا تتمتع بكفاءة تشغيلية عالية.

في ظل هذا الواقع، لم يعد المواطن يثق في التوضيحات الرسمية، التي باتت أشبه ببيانات علاقات عامة مكررة، بلا أثر فعلي على الأرض. فما الجدوى من البيانات إذا لم يصاحبها تحسّن ملموس؟ وما معنى الحديث عن حلول إذا ظلت الخدمة تراوح مكانها، بل تتراجع مع مرور الوقت؟

تؤكد المؤسسة في ختام بيانها أنها تبذل الجهود لاستعادة الخدمة، ويؤكد المواطن بدوره أنه بذل قصارى جهده للبقاء على قيد الكهرباء… ولو لثلاث ساعات فقط، كما يتمنى المواطن أيضًا أن يعيش كل المسؤولين عن خدمة الكهرباء ساعات الانطفاء بدون بدائل، من ناحية كي يجرب الجميع الصبر، ومن ناحية أخرى عندما يتوزع الهم على الجميع يهون أمره وتتذلل صعوبته.

إغلاق