بين وهم التنمية وقمع الأصوات الحرة: حضرموت تختنق بين المعاناة والخذلان !!!
بقلم / م. لطفي بن سعدون الصيعري.
السبت 21 يونيو 2025م .
في الوقت الذي يقف فيه الشعب الحضرمي عاجزًا أمام طاحونة الأزمات التي تفتك بحياته اليومية، من تدهور و انقطاع الخدمات الأساسية وانهيار العملة المحلية وغلاء الأسعار والجوع ، وفي ظل استمرار السلطة المحلية والمركزية ، في تجاهل صرخات الناس ومعاناتهم المتزايدة، تطفو على السطح مشاريع إعلامية براقة، تروج لأوهام تنمية لا تجد لها جذورًا في الواقع المعيشي القاسي الذي يعيشه الحضارمة، ويُستغل فيها اسم “حضرموت” بصورة ديماغوجية و كواجهة للتسويق السياسي المبتذل .
فقد بلغ سعر الريال اليمني أمام الريال السعودي مايقارب من 720 ريالًا، وهوى بالتالي المستوى المعيشي لعموم المواطنين، مسببًا ارتفاعًا جنونيًا متصاعدا في الأسعار بنسبة تقارب 5% يوميًا، ما جعل الحصول على الضروريات الغذائية اليومية حلمًا بعيد المنال.
أمام هذا الانهيار الاقتصادي والفراغ المؤسسي، يحاول الشعب الحضرمي، بقيادة حلف وجامع حضرموت، أن يجد لنفسه مخرجًا عبر الإحتجاج و الحشد الشعبي السلمي، والمطالبة الدؤوبة بحقوقه المشروعة، وعلى راسها الحكم الذاتي، وبناء وعي سياسي مستقل يحفظ كرامته وثرواته وندية حضرموت لصنعاء وعدن ورفض التبعية .
لكن وللأسف الشديد فإن هذه المحاولات تُواجَه بسيل من المواجهة و العراقيل والتشويه، لا من الخصوم الجنوبيين واليمنيبن فحسب، بل – وبكل أسف – من شخصيات قيادية محسوبة على حضرموت في مواقع السلطة المحلية والمركزية، ممن يفترض بهم أن يكونوا صوتًا لشعبهم، لا اتباعا اذلاء لمراكزهم السياسية الحزبية في عدن وصنعاء او لقياداتهم الرسمية العليا ، و لا أدوات رخيصة لقمعه.
فتارة يلاحق الإعلاميون، وتارة يُعتقل الناشطون، كما حدث مؤخرًا مع الصحفي مزاحم باجابر، الذي اختطفته قوة أمنية بشكل تعسفي، ونُقل إلى سجن البحث الجنائي في المكلا، دون تهمة واضحة، وبدون مراعاة لظروفه الإنسانية أو القانونية.
صندوق “حضرموت الإنمائي”: مشروع جاد ، أم مخدر إعلامي؟
وسط هذا الواقع المظلم، يخرج علينا اللواء البحسني، عضو مجلس القيادة الرئاسي، ليعلن عن مشروع طموح باسم “صندوق حضرموت الإنمائي”، موضحًا أنه ثمرة لقاءات خارج البلاد مع شخصيات حضرمية في الكويت. يُروّج لهذا الصندوق بوصفه بوابة حضرموت إلى التنمية والازدهار، بمصطلحات ديماغوجية رنانة عن البنية التحتية وفرص العمل والنهضة الاقتصادية.
لكن السياق الزمني والمكاني لهذا الإعلان لا يمكن فصله عن محاولات صرف أنظار الشارع الحضرمي عن مطالبه الملحة، وكسر الزخم الشعبي الذي تقوده النخب الاجتماعية من داخل حضرموت، بقيادة حلف وجامع حضرموت، فلا المشاريع الورقية في الخارج، ولا المؤتمرات المزمع تنظيمها يمكن أن تحجب حقيقة أن السلطة المحلية و الحكومية و الرئاسية ، فشلت حتى في تأمين كهرباء مستقرة أو وقف انهيار العملة و أسعار المواد الغذائية الأساسية والمشتقات النفطية.
الاعتقال بدل المحاسبة :
ومن المفارقات التي تزيد من جراح الشارع الحضرمي، أن الدولة بشقيها المحلي والمركزي – أو من يدّعون تمثيلها – لا تحرك ساكنًا في وجه الفاسدين، ولا في وجه المتلاعبين بأراضي الدولة، ولا في وجه تجار الأزمات ممن يتحكمون بالوقود والكهرباء والغذاء والعملة ، بل تسخّر أدواتها فقط لملاحقة الإعلاميين والمواطنين الناشطين، في محاولة لإسكات كل صوت يطالب بالمحاسبة والشفافية ومحاربة الفساد وتدهور العملة وارتفاع الاسعار ووقف الجوع.
فلم نسمع عن مسؤولٍ سارقٍ تم توقيفه، ولا عن فاسدٍ خضع للتحقيق، ولا عن لص أراضٍ أحيل للمحاكمة، لكننا نتابع كل يوم قمعًا ممنهجًا لصحفي أو ناشط، لمجرد أنه تجرأ وقال الحقيقة.
وفي هذا السياق، تأتي قضية الإعلامي مزاحم باجابر كعنوان صارخ لتكميم الأفواه وترهيب الإعلام.
ازدواجية وتناقض فج :
إن المفارقة الكبرى تكمن في أن من يتحدث اليوم عن “تنمية حضرموت”، هم أنفسهم من فشلوا في إدارة ملف الخدمات، ووقفوا عاجزين – أو متواطئين – أمام قوى النهب والتخريب والفساد المحلي و المركزي.
فكيف لمن لم يستطع أن يحمي أبسط حقوق الناس، أن يُوكل إليه رسم ملامح “حضرموت الجديدة”؟ كيف يُبشر بالتنمية من يسكت عن الاعتقالات ويبارك الاستبداد ويترك حضرموت مستباحة وغنيمة لقوى الفيد والنهب الشمالية والجنوبية؟
الوعي الحضرمي يعلو رغم القمع :
في مقابل هذا المشهد القاتم، يبرز وعي شعبي متصاعد، تقوده قوى اجتماعية مدنية وقبلية وشبابية، رافضةً للوصاية، ومتمسكة بحق حضرموت في الحكم الذاتي وفي حق تقرير مصيرها السياسي والاقتصادي، بعيدًا عن الابتزاز السياسي أو التجميل الإعلامي. وقد شكّل حلف قبائل حضرموت مظلة جامعة لهذا الحراك، بإصرار على مسار وطني سلمي يعبّر عن مطالب الناس، ويصون كرامتهم، ويستعيد حقوقهم.
وخلاصة القول فإن ما تعيشه حضرموت اليوم ليس أزمة خدمات وتهميش وتكريس للتبعية المذلة فقط، بل صراع إرادات: بين شعب يريد أن ينهض بكرامة، وسلطة تستميت بايعاز من المركز الحزبي والحكومي ، في كبح هذا الطموح، حتى ولو كان الثمن قمع حرية التعبير وسجن الإعلاميين وتشويه المخلصين.
وبين أوهام “صناديق التنمية” وأحلام “حضرموت الجديدة”، يظل الواقع واضحًا: لن تكون هناك تنمية حقيقية دون حرية، ولا استقرار دون عدالة وشراكة ندية، ولا مستقبل دون محاسبة من خذلوا حضرموت وسرقوا ماضيها و حاضرها ومستقبلها .






