اعلانك معنا تحقيق اهدافك التجارية وزيادة مبيعاتك
ابحث في الموقع
تاربة اليوم - الموقع الإخباري اليمني

من سرق الستين ألفا؟!

من سرق الستين ألفا؟!

كتب / عبدالله حسن ال قاسم
السبت 21 يونيو 2025

تسلَّم جنديُّ الشرعية راتبه قبل العيد بأيام: ستين ألفًا، ما يعادل تسعين ريالًا سعوديًّا، وطفق يضرب أخماسًا في أسداس: كسوة العيد له ولأولاده، لحمة العيد؟ حلوى العيد؟ سداد دين الدكان الذي يأخذ منه بالأجل؟ مصروف الشهر كاملًا؟ الإيجار…؟!

أطلق تنهيدة، زمَّ شفتيه، أراد أن يبكي، أن يشتم، أن يصرخ… تذكّر أنها أيامٌ فاضلة، فآثر الصمت. وضع الستين ألفًا في جيبه، ثم همَّ بالعودة إلى سكنه.

في المسافة بين مقرِّ عمله والسكن، عاودته الهموم، واحتار كثيرًا: مبلغ بسيط كهذا، أيفي بشراء أي غرض؟ لم ينس أن يمرر يده على جيبه عدة مرات ليتأكد من وجود المبلغ. اضطر إلى تغيير طريقه كي يتحاشى صاحب الدكان وبائع الخضار. مرَّ بمحاذاة بائع الملابس، فتذكر أنه مدين له منذ العيد السابق. وجد أن من الحكمة أن يغيّر مخبأ النقود؛ فبدلًا من وضعها في الجيب كي لا تقع عليها أعين الدائنين، قرر أن يخبئها في مكان لا يتفطّن إليه صاحب محل الملابس. غطّى وجهه بعمامة، ومضى بتؤدة، وعندما شعر أنه نجا، أطلق زفرة من أعماقه، فتح الباب بحذر، تحسّس النقود… فلم يجد لها أثرًا!

قال الفيلسوف البريطاني برتراند راسل: “إذا كنتَ تعطي الموظف 100 دولار، وأنت تعرف أنه يحتاج إلى 500 دولار، فأنت تخلق منه فاسدًا”.
يمكننا أن نضيف هنا إلى قول راسل: فأنت تخلق منه شحّاتًا بائسًا، مثقلًا، مطاردًا من أصحاب الديون.
أما الفساد، فاحتكره مسؤولونا، وأوصلونا بسببه إلى هذا البؤس!

مع نهاية الشهر الماضي، وقبل العيد بأيام، تداول ناشطون – ومنهم مذيع برنامج “المجلس”، القطري خالد جاسم – منشورًا مفاده:
“إذا كنتَ استلمتَ راتبك، فتذكّر أنه لقبل العيد وللعيد ولبعد العيد”.
لكنّ الستين ألفًا ليست راتبًا في الأصل؛ فهي لا تُسلَّم بانتظام مع نهاية كل شهر، بل يمرّ أحيانًا شهران أو أكثر. وفي نهاية العام، يجد الجندي أنه تسلَّم راتبه فقط سبع مرات على الأكثر بدلًا من اثنتي عشرة مرة.

وهذه الستون ألفًا – أي تسعون ريالًا سعوديًّا – إذا أراد الجندي شراء أضحية، فإنه يحتاج إلى مثلها خمس مرات.
وإذا أراد ثياب العيد، فلن تكفيه لكسوة طفلين.
وإن خصصها فقط لحلوى العيد، فلن تشتري له سوى ثلاثة كيلو مكسرات!
وإن كرسها للمصروف اليومي، فلن تكفي أكثر من ثلاثة أيام، حتى مع التقشّف!
إنها لا تساوي شيئًا، حتى إنها لا تُرى بالعين المجردة، إذا ما قورنت برواتب أكثر الدول فقرًا في العالم!

إغلاق